منذُ أوائل الثمانينات كنتُ أحب اقتناء كتب الجيب (قبل مجيء الجوال بالطبع والتقليب فيه غير الهادف والعابث)، فقبل جامعة أم القرى كان هناك شيخ باكستاني في مكتبة الأسدي يبيع هذا النوع من الكتب، وكان هناك قبالة باب الفتح في الحرم المكي، مكتبة تبيع هذا النوع من الكتب (هذا في الثمانينات كانت المكتبة تقع خلف عمارة الأشراف وقد أزيل كل شيء الآن)، وعندما ذهبت للدراسة في عمّان كان هناك مكتبة في العبدلي اصطاد منها هذا النوع من الكتب، (لا أدري ما فعل الله بهذه المكتبة لقد نسيت اسمها، ولكني لا زلت أتذكر وجه البائع جيداً، ولا لزميلتي منال الغربللي التي عرفتني عليها) وعندما ذهبت للندن، كان هناك ما يشبه هذا النوع من الكتب، إنها كتب الومضة التي تعطيك خلاصة الأشياء. والحقيقة أدين بالفضل كل الفضل بعد الله، لأستاذي في جامعة أم القرى (إبراهيم الماحي -رحمه الله-)؛ فقد كلفني بتلخيص كتاب تربوي عن تربية الصبيان لدى الساسي وكان يرفض أن يستقبل العمل مني مرة تلو أخرى حتى لخصت الثلاث مئة صفحة في صفحة واحدة وعرفت مغزى الرفض والتعنت عنده وقد كان يعرف بعملي في الصحافة وقرر أن يفيدني، لكنني كنت مثل موسى وفتاه مع الخضر استعجل النتائج ولم أستفد من علمه كثيراً رحمه الله بسبب حماقة الشباب، وهي كتابة فكرة المؤلف فقط (فكرة الكتاب). استفدت من هذا تأليفاً وصحفياً فيما بعد، ولذا أتضايق حين يكون العمل الذي أمامي مكوناً من مئات الصفحات إلا إذا كان في الكيمياء، لأنني أحببت فكرة الخلاصة. وكنت حتى الآن في عصر الموبايل، أحمل في جيبي كتاب الجيب، وأشغل نفسي به في حالات الانتظار وبالذات أمام أبواب الأطباء وبانتظار الطائرات، وهلم جرا، وما أصعب الانتظار. وفي كل دول العالم التي زرتها كان الكتاب بشتى أنواعه يدسُّ الناس وجوههم فيه، في القطارات والحافلات والطائرات، ويشغلون أنفسهم بالقراءة إلا نحن (العربان) نشغل أنفسنا بالتلصص، وطق الحنك، وإذا كان أحدنا وحيداً، فتجده يخترع له عملاً يشغله إلاّ القراءة... طبعا إلا من رحم ربي. وليس هذا من جلد الذات بالنسبة لنا كعرب؛ فقد تتغير الأجيال وتصبح أمة قارئة، وبالنسبة لي: ليس هذا من فرد العضلات، ولكنني وجدت وأنا أعيد ترتيب مكتبتي وإدخالها في الحاسوب مئات كتب الجيب التي اختصرت كتبا كثيرة وتعلمت على يدي هذه الكتب أكثر مما تعلّمت على أمهات الكتب. فالويل كل الويل لشعوب لا تقرأ 1