للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، «الرياض» تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الزميل أ. طارق بن سعد القرني الباحث في المناهج النقدية الذي تحتوي مكتبته على كُتب العلوم الإنسانية، والفلسفية الفيزيائية، والسير الذاتية، والاقتصاد والسياسة، كذلك كُتب الأدب العربي القديم والحديث. أنيس منصور عمّق علاقتي بالمكتبة في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * المرحلة التي تعرفت فيها على الكتاب بشكل منظم هي مرحلة نهاية الثانوية، هذه بداية التنظيم للقراءة، وكانت مع كُتب الأدب العربي القديم تحديداً، بعد ذلك استمرت حتى الدراسة الأكاديمية التي نظمت القراءة بشكل أفضل، بعد ذلك في الدراسات العليا، ثم جعلت لنفسي خطة معينة للبحث العلمي فكانت منظمة أكثر من سابقتها. طبعاً هنا تأتي الفكرة على مسألة ما الذي تقرؤه؟ فكانت مثلاً في الدراسات الأكاديمية «البكالوريوس» تتمحور حول فكرة التخصص نفسه، بعد ذلك توسعت المكتبة في المرحلة اللاحقة وهي مرحلة «الماجستير» بأن أصبحت القراءة بينيّة، يعني بين عدّة تخصصات في العلوم الإنسانية. بعد ذلك أصبحت القراءة في الفكرة نفسها، فقد تجد الفكرة في علم طبي أو علم فيزيائي أو غيرها، فتحتاج إلى أن تلاحق الفكرة أينما كانت، وبهذا تصبح الفكرة سبباً للقراءة وليس التخصص الأكاديمي، ومازلت إلى الآن أقرأ في الكُتب كل يوم، وعندي ساعات مكتبية، وأحب أن أكتب. هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * نعم، قبل عشرين عاماً تقريباً كانت البداية، منذ ذلك الوقت، وإلى الآن وأنا أثري هذه المكتبة المتواضعة، وكانت البداية في الرغبة الشخصية أن تكون المكتبة داعماً معنوياً قبل أن تكون داعماً للقراءة بالمعنى الحسّي، أي أن بقائي في المكتبة يجعلني أشعر بمسؤولية لأقرأ.. وأن يكون لي هدف.. ويكون لي تلخيص معين في قراءات معينة، هذه كلها جعلتني أهتم كثيراً بالكُتب التي أجلبها إلى مكتبتي، وهي منوعة إلى درجة جيّدة، وتساعدني في الوصول إلى ما أريده. ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * معارض الكُتب من دون شك أنها من الأساسيات -حقيقة- في تأسيس مكتبتي، لأنها تكون جامعة، سواء معارض الكتاب التي في الداخل، مثل: معرض الرياض، الذي لا يوجد له منافس، وفي الخارج، مثل: معرض القاهرة، ومعرض الشارقة، ومعرض الكويت، حيث توجد معارض على مستوى الوطن العربي مشرفة جداً، ولها دور في التعريف على النشر، واقتناء الكُتب حسب الفكرة. ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * كان هناك بعض الصعوبات، منها: فقد الكثير من الكُتب في بداية الثلث الثاني من تأسيس مكتبتي، كما كانت عندي عادة وقد تركتها منذ زمن بعيد وهي أنني أعير الكُتب، أما الآن فلا أسمح بذلك أبداً، فقد اكتشفت أن من يعير كتابه فكأنه يهديه إلى غيره، وهذه الفكرة قد كلفتني كثيراً والإشكال ليس من الجهة المادية لكن في أن بعض الكُتب لا تجدها، بالذات الكُتب القديمة، فهذه إشكالية، ولم أتعرض إلى منعطفات محزنة في مسألة الكُتب إلا أن بعضها فقدت من مكتبتي لهذه الأسباب التي لم أعد أفعلها مرة أخرى. حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * كتب الأدب العربي القديم والحديث، وكنت في ذلك الوقت ومازلت أجعل قراءة بعض كُتب المؤلفين سبب تحبيبي إلى المكتبة، فربما أكون غير مقتنع بما كتبوه، ولكن أسلوبهم يحفزني على العودة إلى الكتاب مرة أخرى، وعندما أقرأ كُتباً ثقيلة مثلاً وتكون سبباً في ضجري أو محاولة بعدي عن المكتبة، وأذكر من القديم وحتى الآن أعجب وأشعر بتعزيز نفسي كبير من كتابات الكاتب المصري المعروف أنيس منصور، فكتاباته تجعلني أبقى في المكتبة ساعات أطول، تجعلني أعود إلى القراءة مرة أخرى، وكانت ملازمة لي منذ زمن بعيد، وقد قرأت كتابه «في صالون العقاد كانت لنا أيام» وهو ما يقرب من 600 صفحة، كنت وقتها طالباً في الثانوية، وفي ذلك الوقت تعرفت على الوجودية والفلسفة، كان في ذلك الوقت كلام صعب عليّ جداً فهمه، ولا أعرف ما المقصود به، ولكن الذي كنت أعرفه تماماً أن هذا الأسلوب الذي يكتب به أنيس منصور كان جاذباً جداً لي، وانتقلت بعد ذلك إلى كتابه الآخر «حول العالم في ثمانين يوماً» وكان لهذا الكتاب متعة كبيرة جداً، لأن أقرأ عن مناطق على مستوى العالم في ثمانين يوماً، بالذات في أيام الستينات، فأقارن بما كان في ذلك الوقت وبما هو حاصل الآن حتى أفهم طبيعة الحياة في ذلك الوقت. كل ذلك يعتبر نوعاً من الجواذب إلى المكتبة، وتجعلك قريباً من كتبك أكثر، وكنت أومن ومازلت أن ثمة كتّاب وكُتب هدفها فقط أن تخفف وطأة ثقل الكتاب العلمي عليك. هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * أحتفظ بمثلها، وإن كانت ليست للنشر لأسباب شخصية، واحتفظ بمجموعة من الكتابات الشخصية من أساتذة، وأجعلها لنفسي وليس للنشر، من باب الذكرى، وقد أقوم بإصدارها في يوم من الأيام في كتاب مستقل عندما يحين الوقت المناسب لذلك. ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * قد لا تكون لديّ كُتب نادرة بقدر ما هي قديمة، أستطيع القول إنها قديمة، ولا أستطيع أن أقول إنها نادرة، وهي موجودة وأحبها جداً. من ميزاتها أنها مكتوبة بعيداً عن تأثير المتلقي، ومن أكبر ما نعانيه الآن أن المؤلف يكتب وهو متأثر بما يقول الشارع، فيصبح عنده نوع من الخلل، أما قديماً كان الفكر العالم صافياً تماماً وخالياً من كل الشوائب الموجودة في المجتمع، ومن هذه الكتب القديمة العربية التي تحتويها مكتبتي كُتب الجاحظ، وابن قتيبة، والمبرد. هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * نعم لديّ، وهي تعتبر ركيزة في المكتبة، وكنت مهتماً بأرشيف جريدة «الرياض» لأخذ كثير من المقالات القديمة، منها: مقالات د. عبدالله الغذامي وهي مطبوعة لديّ وتعد من المقالات القديمة، والصحافة السعودية مر عليها أسماء كبيرة جداً، مثل: حمد الجاسر، وعبدالله بن خميس، وعبدالله الغذامي، وسعد البازعي، وغيرهم الكثير من الأسماء التي أصلت لما بعدها. ما أطرف العنوانات الموجودة في مكتبك؟ * قد تكون الكُتب التي تتحدث عن موضوعات قد تبدو ساذجة، أو لا تستحق البحث، ولكن عند قراءتها ستجد فيها عمقاً خلا الطرافة التي تجدها في العنوان، كالكُتب التي تتحدث عن الجنون أو عن النكتة، أو لبعض الروايات التي تتحدث عن بعض المواقف التي قد تكون أشبه بالساذجة ولكنها تحتوي على عمق شديد في داخلها. هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير النفاسة؟ * لا.. فليست طرافة الموضوع بقدر أهمية موضوعه الذي أريد أن أبحث عنه، لدي مشروع علمي، وأنا أقرأ وفقه، من يخدم فكرتي أقرؤه، ومن لا يهدف أتركه، وأحياناً قد أقرأ الكتاب لأسباب أخرى مثل أن يكون هذا الكتاب قد طلب مني أن أعلّق عليه، أو يكون مثلاً من أحد الأصدقاء أو أحد المتابعين ويريد أن أنقد الكتاب، أو أن أقدم له، أو أن أقول الرأي فيه حتى ينشره، فهذه لها أسبابها الخاصة. ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها بما أنك مُهتم بالكُتب؟ * كتب التأصيل والتنظير سواء أكانت في الفلسفة أو النقد أو المدارس الأدبية، كذلك الأدب القديم والحديث، وتحديداً الآداب الكبرى التي تشع بالحكمة والنضج والفهم، وهي بلا شك تعطي الإنسان قدرة على الفهم، أيضاً الموسوعات في العلوم، والموسوعات في علم النفس، والموسوعات في علم الاجتماع، لأنها تعطيني نظرة كاملة ودقيقة ومحكمة عن النظريات الكبرى في هذه العلوم، ومن ثم أستطيع أن أفهمها وأن أستعين بها. هل ساعدتك مكتبتك الخاصة على التأليف؟ * نعم، ساعدتني.. فالمكتبة الخاصة تساعد كثيراً في هذا الأمر، وتسهّل كثيراً من العقبات، ولا أخفيك أنني قريباً بدأت أقرأ بالطريقة الإلكترونية أيضاً أو ما تسمى صيغة (PDF)، وساعدتني جداً على تطوير مفهوم القراءة، والمكتبات العامة تساعد في الكُتب التي لا أستطيع الوصول إليها. كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن، ومتى صدر لك أول كتاب وما هو؟ * لديّ في السوق كتاب واحد مطبوع «الاستعارات الاتجاهية في أغاني الحياة» صدر عام 2020م، أيضاً أنا الآن أعمل على كتاب سوف يتحدث عن فهم الواقع والمجتمع السعودي تحديداً، ومن ثم العربي، وكيفية فهم هذه المجتمعات بناءً على التصورات الذهنية الموجودة عند الفرد العربي، ولعله يرى النور قريباً، كما أنني أيضاً على وشك الانتهاء من كتابة رواية أدبية، وهذه الرواية المقصود منها مناقشة الفكر العربي لكن بطريقة سردية. ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة به؟ * أتمنى على كل من يمتلك مكتبة خاصة أن يجعل لها برنامجاً يومياً، وأن ينتج حلقات تعليمية وينشرها عبر مواقع التواصل بشكل عام، أو عن طريق التأليف، أو كتابة المقالات، المهم أن لا تكون هذه المكتبة مجرد مكان يجلس فيه دون أن يفيد غيره به.. الهدف من المكتبة هو لنفسك، ولبث الخير في المجتمع، فإذا تساعدنا جميعاً من خلال مكتباتنا الشخصية بالإنتاج فسوف نصل إلى مجتمع واعٍ ومتحضر. كلمة أخيرة؟ * الكلمة الأخيرة، أحب أن أخصصها لصاحب الفضل، أشكر جريدة «الرياض» على هذه الزيارة إلى مكتبتي، وليست بمستغربة منكم، وأشكر لكم هذا اللطف، وهذا الكرم الذي وجدته منكم، شكراً أ. بكر هذال، وأيضاً للقراء الكرام. من إصدارات الضيف