جاء في بنود الصحيفة التي أبرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل المدينة (وفيهم المشركون واليهود) عند دخوله إليها: "وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.." ذكرها ابن هشام في السيرة، والأخبار التي جاءتنا عن ذلك المجتمع تزخر بمعاني احترام الجار ورعايته والاهتمام بشؤونه حتى ولو لم يكن مسلماً.. حق غفل عنه الكثيرون، وإن كانوا من ضياعه يشتكون، لكنهم لا يشتكون منه إلا من باب قطع الأوقات ففي الحديث يتفكهون، فهو لا يعدو كونه حديثاً من جملة الأحاديث التي بها يتسامرون. كثيراً ما نسمع قصصاً عن عدم معرفة حقوق الجار وإيذائه!! بل أصبحنا نعيش في زمن لا يعرف الجار جاره، حتى غدت من أجمل قصصنا تلك القصص عن جيراننا، في زمن مضى، وكم كنا نسأل عن ساكن في أقصى الحي فنعرفه وندل عليه، ثم إذا بنا نعيش في زمن لا نعرف أسماء من جدارنا بجداره، ثم نتساءل لمَ لم تَجُد علينا السحب بخيراتها! وكثيراً ما نلقي بالعتب على غيرنا، وعلى جيراننا، ولكننا لم نفتش في أنفسنا، ولم ننظر إلى قلوبنا، فإن الخلل منها وفيها. إنك لا تجلس مجلساً تذكر فيه التحسر على ما مضى إلا وشاركك فيه كل من حضر، واستمع بعدها إلى حكايات، وروايات لا تنقضي. فإذا شكوت أنا وأنت وجميع أهلنا وأصحابنا فمن هو المذنب يا ترى؟ لا بد أن نكون نحن، لأن المجتمع هو نحن، فلا بد إذاً أن نتغير نحن، ليتغير المجتمع، علينا أن لا نكتفي بتحميل المجتمع تبعات مشكلاتنا المختلفة ثم نقف منها موقف المتفرج، يكثر اللوم، ولا يحسن العمل. علينا أن نعلم أن التقصير ذنبي وذنبك، وذنب ذلك الآخر ممن عرفنا هذه المعاني وعشناها سلوكاً يومياً في حياتنا، في أن نبث معاني الإيمان بين الناس ونعمق معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذين جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". فالإيمان هو الأساس في القضية كلها، قال عليه الصلاة والسلام: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره". وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث، وليؤد الأمانة، ولا يؤذ جاره". وقال: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه. ولفظ مسلم وأحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه. تتنوع أذية الجار في زمننا هذا أنواعاً كثيرة، فمنها رفع أصوات الآلات وغيرها مما يقلق راحة بقية الجيران، وعدم الانتباه لإحكام غلق كيس القمامة أو رميه قريباً، مما يجعل الأوساخ تتناثر قرب بعض البيوت، وكذا إيقاف السيارة بحيث يغلق الممر على الجار، أو يغلق بابه أو يضايقه في خروجه ودخوله، أو يبني بناء يكشف عورته، أو أن يكون الجار فقيراً فيدخل جاره بأنواع الطعام أمام أولاده، أو برائحة الطبخ، وغير ذلك كثير. وأذية الجار تذهب الأجور، وعاقبتها ويل وثبور، قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال هي في النار. وضع تحت قوله بلسانها خطوطاً لتعرف مدى الخطر الذي يحيق بصلاتك وصيامك إذا آذيت جيرانك بلسانك، فكيف إذا صاحب اللسان فعل الجوارح؟ وبالمقابل.. فإن احتمال أذى الجار من الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله عز وجل... وذكر منهم: والرجل يكون له الجار يؤذيه جواره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن. وقد جاء في بنود الصحيفة التي أبرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل المدينة (وفيهم المشركون واليهود) عند دخوله إليها: وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.." ذكرها ابن هشام في السيرة، والأخبار التي جاءتنا عن ذلك المجتمع تزخر بمعاني احترام الجار ورعايته والاهتمام بشؤونه حتى ولو لم يكن مسلماً. قال ابن حجر: واسْم الْجَار يَشْمَل الْمُسْلِم وَالْكَافِر وَالْعَابِد وَالْفَاسِق وَالصَّدِيق وَالْعَدُوّ وَالْغَرِيب وَالْبَلَدِيّ وَالنَّافِع وَالضَّارّ وَالْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ وَالْأَقْرَب دَارًا وَالْأَبْعَد، وَلَهُ مَرَاتِب بَعْضهَا أَعْلَى مِنْ بَعْض. اه. هذا، والله من وراء القصد.