رسالة إنسانية، وحضارة شامخة، وكيانٌ راسخٌ يأبى السقوط، ولغة شرفها الله -عزّ وجل- بأن تكون لغة الرسالة والهداية، لغة القرآن؛ إنها اللغة العربية معجزة الزمان، ببراعة استعاراتها، وفصاحة مجازها، وسحر مفرداتها اللامتناهية، وجرسها الموسيقي المتّسق الظاهر في قصائدها وأشعارها. تغنّى بها الأدباء والشعراء، فقال عنها أحمد شوقي: «إنّ الذي ملأ اللغات محاسناً جعل الجمال وسرّه في الضاد». وقال عنها حافظ إبراهيم: «أنا البحرُ في أحشائه الدُّر كامنٌ فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟». للبحر عُمق لا نهائي، كما أن للغة البيان عُمقًا استثنائيًا. وكما يحوي البحر في أحشائه اللآلئ والدرر، تحوي اللغة العربية بداخلها إرثًا إنسانيًَا بالملايين من المفردات والكلمات المُتفرّدة. ماذا أقول عنها؟ وبأي الكلمات أصِفها؟ وددت البحر حِبري، والسُحب كلماتي، والأفق أشعاري. فاللغة العربية فيضُ تعابير، تنتشلنا من رتابة أيامنا، تُدفئ صقيع وحدتنا، تُعطي أحداث حياتنا البالية بريقًا وتُنعشها بجمال ألفاظها، وعُمق معانيها، وعُذوبة كلماتها. لم تغيرها الأزمنة، ولا العصور، ولا الأشخاص، فقد حافظت على هويتها منذ عشرات العقود، ولهذا فإن اللغة العربية شامخة، وخالدة، وعصية على الفناء. فاللغة العربية وحدها القادرة على ترميم صدوع أمّتنا، ولمّ شملنا على الرغم من اختلافاتنا، وتحديد اتجاه بوصلتنا كلما فقدنا وجهتنا. إنها أمّنا الحانية والحضن الدافئ الذي يذكرنا بأمجاد أجدادنا، وتاريخ أمّتنا، ونهضة علمائنا، وعراقة عروبتنا. فإنها بحق إرثُ الزمان لنا، وكنز أجدادنا إلينا، هي الماضي، والحاضر، والمستقبل. العربية ليست مجرد لغة، هي كيان، وهوية، ورسالة إنسانية، وجذور راسخة، فتمسّكوا بهويتكم، وتشبّثوا بجذوركم، وحافظوا على هذا الإرث الإنساني الذي لطالما احتضننا وأعطانا بلا حدود.