أعلنت الحكومة السودانية أنها تعتبر مبعوث الأممالمتحدة الألماني فولكر بيرتس "شخصا غير مرغوب فيه" واتهمته بالانحياز في النزاع المستمر منذ زهاء شهرين، وذلك بعد امتناع المنظمة الدولية عن التجاوب مع طلب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان استبداله. وقالت وزارة الخارجية في بيان ليل الخميس: إن "حكومة جمهورية السودان أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان فولكر بيرتس أنه شخص غير مرغوب فيه، وذلك من تاريخ اليوم". وأتى الإعلان بينما كان بيرتس في أديس أبابا بإثيوبيا لإجراء سلسلة محادثات دبلوماسية، وفق ما أعلنت الأممالمتحدة الخميس على تويتر، ولم تعلّق المنظمة بعد على القرار. ويأتي الإجراء بعد أقل من أسبوعين على طلب البرهان من الأمين العام أنطونيو غوتيريش استبدال بيرتس، متّهما إياه بتأجيج النزاع الذي اندلع في 15 أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلا أن غوتيريش جدد في حينه "ثقته الكاملة" بمبعوثه. وقال مصدر حكومي سوداني لوكالة فرانس برس أمس الجمعة "عندما أرسل رئيس مجلس السيادة (البرهان) إلى الأمين العام طالبا استبداله، ولم يستجب الأمين العام، لم تجد الحكومة السودانية بدّاً من اتخاذ هذا القرار". وتابع المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن بيرتس "انحاز إلى أطراف سياسية محددة وشدد على أن تقتصر العملية السياسية على أطراف معينة وتستبعد آخرين"، ولذلك اتخذ القرار بحقّه". وفي رسالة موجهة إلى الأممالمتحدة أواخر مايو، اتهم البرهان بيرتس على وجه الخصوص بأنه "أخفى" في تقاريره الوضع القابل للانفجار في الخرطوم قبل اندلاع المعارك، وقال إنه لولا "هذه الأكاذيب" ما كان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، "ليطلق عملياته العسكرية". وبدأ القتال في يوم كان من المقرر أن يشهد لقاء بين القائدين العسكريين لإجراء مفاوضات طالبت بها الأممالمتحدة لأسابيع، وبينما توقع العديد من المراقبين فشل المحادثات، عبّر بيرتس عن "تفاؤله"، وأقر بأنه "فوجئ" باندلاع المعارك. قصف وحرائق كان بيرتس في نيويورك عندما وجه البرهان رسالته المطالبة باستبداله. ولم تمنح السلطات السودانية تأشيرات دخول جديدة لأجانب منذ بدء النزاع. كما أعلنت بعثة الأممالمتحدة في 24 أبريل، أن غالبية موظفيها غادروا العاصمة إلى مدينة بورتسودان (شرق) "حيث سيعملون عن بعد كإجراء لتقليل المخاطر على سلامتهم". ومطلع يونيو، مدد مجلس الأمن الدولي لستة أشهر مهمة "بعثة الأممالمتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" (يونيتامس)، وعلى رأسها بيرتس. وكانت البعثة أنشئت في يونيو 2020 لدعم الانتقال الديموقراطي في السودان بعد الإطاحة بنظام البشير، ومددت مهمتها بشكل سنوي لعام واحد. وأودى النزاع الراهن بأكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية. ووفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح حوالى مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفا عبروا الى دول مجاورة للسودان الذين كان قبل النزاع أساسا واحدا من أفقر بلدان العالم. وتفيد تقديرات الأممالمتحدة بأن 25 مليون من أصل 45 مليون نسمة عدد سكان في البلاد يحتاجون إلى مساعدات. ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق النار يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية. المعارك مستمرة ميدانيا، تواصلت المعارك الجمعة في مناطق عدة خصوصا في الخرطوم، وأفاد شهود فرانس برس عن سماع "أصوات اشتباكات قرب مصنع اليرموك" للصناعات الدفاعية التي كانت قوات الدعم السريع أعلنت الأربعاء سيطرتها عليه. ويعدّ المجمع الواقع في جنوب العاصمة، أبرز منشآت التصنيع العسكري في السودان، وهو تعرّض في أكتوبر 2012 لقصف جوي اتهمت الخرطوم إسرائيل بالوقوف خلفه، وهو ما لم تعلّق عليه الأخيرة بشكل رسمي. ويشهد محيط المجمّع منذ الأربعاء اشتباكات، رافقها اندلاع حريق جراء انفجار أحد صهاريج تخزين النفط في منشأة الشجرة للنفط والغاز المجاورة. وأكد شهود الجمعة أن سحابة الدخان الناتجة عن الحريق لا تزال ظاهرة، وتقع المنشأة على مسافة قريبة من المجمع العسكري المترامي الأطراف، وتحيط بها أحياء سكنية. وفي شرق الخرطوم، أفاد سكان عن قصف جوي من الطيران التابع للجيش، وسماع أصوات رشاشات ثقيلة مضادة للطيران. والأسبوع الماضي، انهار آخر اتفاق للتهدئة تمّ التوصل إليه بوساطة سعودية - أميركية على هامش مباحثات استضافتها مدينة جدة السعودية، وأعلنت الرياض وواشنطن تعليق المباحثات، لكنهما حضتا الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات. وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان، ووفق ما تؤكد مصادر طبية، باتت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة. ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بانتشار الملاريا من جديد وانعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال.