بدأت أصوات تتحدث عن التخوف من تغلب الذكاء الاصطناعي على البشر، وإن كان هذا الحديث قد يبدو بعيدا عن الواقع والفطرة، إلا إن المشكلات التي يحدثها الاتكاء على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في تحصيل العلم من أي نوع كان قد يكون ضرره أكبر من نفعه، بل وقد يهدد الإبداع الفكري البشري نفسه، فوجب أن يسير البشر في خطين متوازيين في تطوير الحياة والارتقاء بها.. وأنت تشاهد تسارع تطور التكنولوجيا والرقميات والصناعات، تلمح عينك وتلامس أناملك تطورًا خطيرًا في الإبداع البشري، جاء تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي" وهو بالمختصر ما يجعل تلك التقنيات والتكنولوجيا تتفاعل مع البشر، وتتعلم أداء خصائص الفكر من التدقيق في أساليب المستخدم حتى تتعلم حاجته وتعطيه ما قد يغنيه عن فكره من البحوث والإجابات والقصص والتعابير وغير ذلك. ولا أستطيع بعد الذي نشاهده اليوم أن أنفي قدرة الذكاء الاصطناعي على اختراق خصائص الفكر وأدائه حتى ربما يتجاوز حدود العواطف التي تجيش في صدور الشعراء وأحاسيس الأدباء، فقد يأتي بالقطعة الشعرية أو الوصلة الأدبية مكتملة الأجزاء والوحدات والقوافي والمعاني، ولم لا؟! وتلك الأدبيات والأحاسيس لها قواعدها وأصولها التي تدرّس وتعلم وتتقن، فليس بعيدًا ولا مستحيلاً أن يكون ذلك بابًا من أبواب الذكاء الاصطناعي، بل وشيئًا عاديًا مقارنة بما قد يقدمه الذكاء الاصطناعي من البحوث والدراسات في العلوم الأخرى والتي تلامس حياة البشر على الواقع، فضلاً عن ما قد شاهدنا ولمسناه من تطور التكنولوجيا في كل مجالات الحياة، حتى في تلك السبل التي توراثتها الأمة كعلوم شرعية تعتمد على النقل والرواية وأصول وقواعد وضوابط، لا يجيدها إلا من أرهق نفسه في الطلب والحفظ والرحلات وقد لا ينال بغيته كما أراد، إلا إننا نجد ذلك مثلاً في تطبيق برمجي من تطبيقات الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، فتجد آلاف الأحاديث قد جمعت بين أصابعك وآلاف الفقهيات تستجيب لك بضغطة زر، فإذا ما تدخل الذكاء الاصطناعي هنا وبُرمج على أصول وقواعد تلك العلوم، ولقن برمجيا الطرائق والأساليب التي سلكها المحدثون والفقهاء لإيجاد الأحكام وفقًا لمراد السائل، لأصبحنا يومًا ما أمام الذكاء الاصطناعي كعالم وفقيه ومحدّث تضع عليه مسألتك وتحاوره ويحاورك وتناظره ويناظرك حتى يفحم المناظر ويقنع المتأمل! ومن هنا يبدو لنا سؤال من الجيد أن نفكر فيه، وهو: هل "الفكر البشري في الرمق الأخير؟" بمعنى هل هذه الطفرة من الذكاء الاصطناعي قد تصيب العقل البشري بالخمول عن التفكير؟ فإذا كان ذلك الطالب يجدّ ويجتهد ويقرأ ويطّلع ويسهر ويحفظ ليكتب خلاصة مجهوده في ورقات يقدمها كباحث، فإذا بضغطة زر تغنيه عن بحثه كله بما يقدمه الذكاء الاصطناعي فيعطيه بحثًا في موضوعه أجود وأتقن وأشمل وأدق! وهنا نقول كان ومازال الوقت متسعًا لتدارك الفكر البشري عن الخمول اتكاءً على ما يقدمه الذكاء الاصطناعي، فقد اختصرت التكنولوجيا والتقنيات الحياة وذللت الصعوبات بما يعد نعمة من نعم الله الكثيرة التي لا تحصى، فاختراع المواصلات والكهرباء والاتصالات وميسرات الحياة، كل ذلك له إيجابياته العظيمة التي طغت وغمرت السلبيات التي لا تذكر، لكن حين يتعلق الأمر بإزاحة الفكر البشري عن وظيفته، هنا ينبغي على الدول والحكومات والمنظمات ذات العلاقة أن تضع الضوابط والقيود والدراسات التي من شأنها أن تحافظ وتدافع عن حياض الفكر البشري. وقد بدأت أصوات تتحدث عن التخوف من تغلب الذكاء الاصطناعي على البشر، وإن كان هذا الحديث قد يبدو بعيدا عن الواقع والفطرة، إلا إن المشكلات التي يحدثها الاتكاء على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في تحصيل العلم من أي نوع كان قد يكون ضرره أكبر من نفعه، بل وقد يهدد الإبداع الفكري البشري نفسه، فوجب أن يسير البشر في خطين متوازيين في تطوير الحياة والارتقاء بها؛ خط العلم والمعرفة والتكنولوجيا بما هي عليه اليوم، وأما الخط الثاني فهو المحافظة على النمط العلمي الكلاسيكي الموروث؛ أخذًا بالحيطة والحذر، وتنشيطًا للعقل واستدامة للفكر. هذا، والله من وراء القصد.