في عام 1998 تم تطوير أول جهاز استشعار إلكتروني بيولوجي يمكنه اكتشاف مسببات الأمراض من قبل فريق من الباحثين في معهد كاليفورنيا للتقنية، استخدم المستشعر مزيجًا من الجزيئات البيولوجية والدوائر الإلكترونية للكشف عن وجود بكتيريا «الإشريكية القولونية «في العينة، ومنذ ذلك الحين، استمرت المستشعرات الحيوية الإلكترونية في التطور وتستخدم الآن في مجموعة متنوعة من التطبيقات، بما في ذلك اكتشاف الفيروسات، ومراقبة مستويات الجلوكوز، واكتشاف السموم في الطعام والماء. في السعودية، نجح باحثون في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بتعاون وثيق مع باحثي مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في تطوير واختبار فعالية أجهزة استشعار حيوية جديدة، والتحقق من قدرتها على التشخيص السريع للأمراض. «تكمن كلمة السر وراء بناء تعاون ناجح مع الأطباء في قضاء الوقت معهم، والتعرف عن قرب إلى احتياجاتهم»، كان هذا مستهل حديث الدكتورة ساهيكا إينال، أستاذة الهندسة الحيوية المساعدة في «كاوست»، مضيفة أنّ توفير أدوات للأطباء يساعدهم في تحسين التفاعل مع المرضى، يتطلب فهماً كاملاً لطبيعة عمل المنظومة الصحية، وخبرات العنصر البشري فيها، إذ ترى إينال أن «الافتقار لهذه المعرفة يجعل الأدوات بلا قيمة حقيقية». أهمية المستشعرات الحيوية بشكل عام، فان المستشعرات عبارة عن جهاز يكتشف التغيرات في الكمية المادية مثل درجة الحرارة والرطوبة وتدفق المياه وشدة الضوء وما إلى ذلك. ويحولها إلى كمية يمكن قياسها أو تحليلها. اما المستشعرات الحيوية الإلكترونية، فهي عبارة عن أجهزة تجمع بين المكونات البيولوجية، مثل الإنزيمات أو الأجسام المضادة، والمكونات الإلكترونية، مثل الأقطاب الكهربائية أو الترانزستورات، لاكتشاف وتحديد جزيئات أو عمليات بيولوجية محددة، تعمل هذه المستشعرات عن طريق تحويل إشارة بيولوجية، مثل وجود عامل ممرض أو تغيير في نشاط الإنزيم، إلى إشارة كهربائية يمكن قياسها وتحليلها، تحتوي المستشعرات الإلكترونية الحيوية على مجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك التشخيص السريري، والمراقبة البيئية، واختبار سلامة الأغذية، وغالبًا ما تُستخدم لقدرتها على توفير اكتشاف سريع وحساس ومحدد للأهداف البيولوجية. وإذا تحدثنا عن الأهمية التي تمثلها أجهزة الاستشعار الحيوية لملايين المرضى حول العالم فدوننا مرضى السكري الذين يستفيدون من هذه التقنية في مراقبة مستويات الجلوكوز لديهم بشكل متكرر ودقيق، وإجراء تعديلات في الوقت المناسب على نظامهم الغذائي وممارسة الرياضة والأدوية. أيضا المرضى الذين لديهم أجهزة طبية مزروعة، مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب والمفاصل الاصطناعية، هذه الأجهزة معرضة لخطر العدوى، مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة وحتى الموت. يمكن أن تكتشف المستشعرات الإلكترونية الحيوية وجود البكتيريا ومسببات الأمراض الأخرى في محيط الجهاز، مما يسمح للأطباء بتشخيص وعلاج الالتهابات قبل أن تصبح شديدة. التطورات الحديثة للأجهزة تتمثل التطورات الحديثة في تصميم أجهزة الاستشعار التي تستخدم المكونات البيولوجية للتعرف على بعض المؤشرات الحيوية للأمراض، في تحسين حساسيتها وخصوصياتها وانتقائها، وهناك عدة طرق لتحقيق ذلك، من ضمنها استخدام المواد النانوية، (الأنابيب النانوية الكربونية)، والجرافين وجسيمات الذهب النانوية، أيضا استخدام الموائع الدقيقة، والتي تنطوي على التلاعب بأحجام صغيرة من السوائل في القنوات الدقيقة، لتحسين كفاءة وحساسية الكشف عن العلامات الحيوية. علاوة على ذلك، سمح التقدم في علم الأحياء التركيبي بتصميم وهندسة المكونات البيولوجية، مثل الإنزيمات والأجسام المضادة، مع تحسين الخصوصية والألفة للواسمات الحيوية للأمراض، ويمكن دمج هذه المكونات البيولوجية في أجهزة الاستشعار لتحسين انتقائها ودقتها في اكتشاف المؤشرات الحيوية للمرض. ويركّز البحث الذي أجرّته إينال على تصميم مستشعرات ذات مكونات حيوية يمكنها التعرف إلى المؤشرات الحيوية للأمراض في عينة واحدة مأخوذة من مريض. لتحقيق هذا الهدف، تعاونت ساهيكا إينال وفريقها بشكل وثيق مع الدكتور أشرف الدادا، رئيس قسم الباثولوجيا المناعية، والدكتورة فاطمة الهملان، أستاذة مساعدة في قسم المناعة والأمراض المعدية وزملاء العمل في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في المملكة العربية السعودية، حيث استهدفت الشراكة المساعدة في تطوير واختبار أجهزة الاستشعار الإلكترونية الحيوية، والتي ستساعد بدورها في الكشف عن مسببات الأمراض بتكلفة زهيدة، مع توافر الدقة والسرعة. وبشيء من التوضيح، تقول إينال: «هدفي هو تسهيل مهمة الأطباء في تشخيص المرضى في أسرع وقت ممكن، عبر توفير تقنية جديدة لتحل محلّ الاختبارات المعملية التقليدية». وتتابع: «نستهدف إتاحة أجهزة الاستشعار هذه للأطباء لتوفير البيانات التي تساعد على تشخيص الأمراض بشكل أسرع. كما نأمل أيضاً أن تدعم التقنية المتخصصين في الرعاية الصحية في البلدان منخفضة الدخل، وفي المجتمعات النائية والتي تفصلها مسافات طويلة عن خدمات الرعاية الصحية». جدير بالذكر فان الدكتورة ساهيكا إينال كانت قد تعاونت سابقا مع البروفيسور ستيفان أرولد، أستاذ العلوم البيولوجية في «كاوست»؛ لتطوير شرائح إلكترونية قادرة على اكتشاف فيروس «كوفيد – 19» في عينات اللعاب، حيث تكون رقاقاتها قريبة من الحساسية لاختبارات تفاعل البوليمراز المتسلسل التقليدية، وتقدم النتائج في غضون 15 دقيقة فقط. ثمار التعاون البحثي وعن بداية التعاون مع الفريق الطبي في مستشفى الملك فيصل التخصصي، تقول إينال: «للتحقيق في نجاعة هذه التقنية المبتكرة، ومعرفة مدى ملاءمتها في بيئة سريرية، وللتحقق أيضاً من دقة أجهزة الاستشعار التي طورناها، تواصلنا مع الخبراء في مستشفيات المملكة العربية السعودية، وفي هذا الصدد، قدّم لنا باحثون من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث عينات وقاموا بتقييم النتائج استناداً إلى تقنياتهم التقليدية كأداة مقارنة. ثم أطلعونا على النتائج، مما مكننا من التحقق من فعالية تقنيتنا». من جهته يقول أشرف الدادا: «يوجد في مستشفانا مركز أبحاث متقدم؛ لدعم الرعاية الصحية السريرية لمرضانا من خلال التشخيصات المبتكرة والدراسات العلاجية». وأعرب الدادا عن سعادته بالتقنية الجديدة ذات الحساسية والدقة العالية في التشخيص، والتي طورها باحثو «كاوست»». يشار إلى أنّ التعاون بين فريقي إينال وأرولد داخل «كاوست» والفريق البحثي داخل المستشفى، قد ازداد متانة منذ التجارب التي أجريت على مستشعرات «كوفيد – 19»، إذ تعمل الفرق البحثية عن كثب لتعظيم إمكانات المستشعرات الحيوية الإلكترونية. تقول إينال: «الأطباء يجعلون بحثنا وثيق الصلة بالواقع، إذ يزودونا بالبيانات المفقودة من واقع نمط عملهم اليومي، فضلاً عن إخبارنا بالأدوات التي كانت لديهم الرغبة في امتلاكها، ومن ثم فإن فهم هذا الواقع يعود بالنفع على الأطباء والمرضى على حدٍ سواء، لأن حالات المرضى يمكن علاجها بوتيرة أسرع، حيث ستسمح أجهزتنا لمقدم الخدمة الصحية بفحص مؤشرات متعددة في وقت قصير، مما يسمح لهم ببناء صورة شاملة وأكثر وضوحاً عن الوضع الصحي لكل مريض». وتصف إينال القدرة على التحقق من فعالية أجهزة الاستشعار باستخدام بيانات أصلية عالية الجودة جمعت بعناية بأنها «فرصة لا تقدر بثمن». ويعلق الدادا آمالاً واسعة على هذا المشروع، إذ يتطلع إلى أن ينتج عنه تقنية متطورة تُحدث ثورة في تشخيص مسببات الأمراض، وتغير مشهد أدوات التشخيص في مجال الأمراض المعدية، للمساعدة أيضاً في ضمان جاهزية البشرية بشكل أفضل في التعامل مع الأوبئة مستقبلاً. من جانبها، تأمل إينال في أن تتطور تقنيتهم بسرعة؛ لتوفير تشخيص مبكر ودقيق لكل من الأمراض المعدية وغير المعدية. يمكن القول إنّ إينال والدادا لديهم حماساً كبيراً لرؤية ثمار هذا التعاون تنتشر على نطاق أوسع في المستقبل. بشكل عام، يمكن القول إن هذه التطورات في تصميم المستشعرات قد تكون لديها القدرة على إحداث ثورة في تشخيص المرض ومراقبته من خلال تمكين الكشف السريع والدقيق والفعال من حيث التكلفة عن المؤشرات الحيوية للمرض في عينة واحدة مأخوذة من مريض. أشرف الدادا وساهيكا إينال وستيفان آرولد في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة (كاوست 2023) الدكتورة ساهيكا إينال أستاذة الهندسة الحيوية المساعدة في كاوست يكتشف المستشعر الذي طوره فريق كاوست مسببات الأمراض من عينات اللعاب التي قدمها متطوعون في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث