في عالم اليوم المتسارع، لم يعد من الممكن التعامل مع الأزمات والكوارث بعشوائية وارتجال وردّات الفعل، بل إن الاستجابة للأزمات تحتاج إلى تخطيط وحشد الأدوات والموارد البشرية اللازمة والتنفيذ الميداني لنستطيع التحكم بها والأضرار الناجمة عنها وتخطيها أو حلها أو منعها من الانتشار. ولأن الأزمات أو الكوارث تتفاوت من حيث حجمها وتوقيتها وخطورتها وموقعها والعوامل الجيو- سياسية المصاحبة لها، فإن الاستجابة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتم ضمن المنظور العام لإدارة الأزمات الذي أصبح علما يدرّس في الجامعات وله خبراء على مستويات الإدارة المختلفة في الشركات وفي القطاع العام. وبالتأكيد أن التعامل مع الأحداث الطارئة الوقتية والمحلية، مثل الحرائق وحوادث الطرق، يختلف عن التعامل مع الكوارث الكبرى، مثل الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وشمال سوريا في بداية فبراير الماضي ووصل عدد ضحايا إلى أكثر من خمسين ألف قتيل. والأزمات من الأحداث الملازمة للتاريخ البشري ولم تسلم منها أي دولة أو مجتمع بطريقة أو بأخرى، كما أن الأزمة مصطلح لها مرادفات كثيرة منها المشكلة، والخلاف، والنزاع، والصراع. وهذه الأحداث تكون داخلية أحيانًا وبين دولتين أو أكثر في أحيان أخرى، وبعضها يحدث لسبب مفاجىء بينما يحدث البعض الآخر نتيجة لتراكمات تتطور مع الوقت وقد تصل إلى حرب أو صدام مسلح. في حال الكوارث الطبيعية تكون الحالة محددة وكذلك أسبابها وطرق التعامل معها، وهي قد تكون بسيطة وتستطيع الدولة المعنية التعامل معها، أو قد تكون مدمرة بحيث تعلن الدولة المعنية أن منطقة ما منها منكوبة فتطلب النجدة والمساعدات العاجلة من دول العالم. أما أسوأ أنواع الأزمات فهي الحروب لأنها تؤدي إلى إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة وتشريد الناس من ديارهم إلى الدول المجاورة طلبًا للنجاة. وتُعدُّ الكوارث والأزمات اختبارًا لقدرات البلدان وخبراتها وكوادرها البشرية ومهارتها التدريبية والإدارية. في المملكة، لقد استطعنا إدارة الأزمة التي رافقت وباء كورونا، كما شاركت طواقمنا المدربة في عمليات إنقاذ ضحايا الزلازل في تركيا وشمال سوريا، كما لا يتواني مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عن تقديم المساعدات للمحتاجين حول العالم بالتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين والإقليميين. لكن الحدث الأبرز بتوجيهات القيادة الحكيمة رعاها الله كان الأداء الرائع والسريع للبحرية الملكية السعودية، بالتعاون مع باقي فروع القوات المسلحة المختلفة وسلاح الجو والأجهزة الحكومية من وزارات الخارجية والداخلية والإعلام والصحة والهلال الأحمر وهيئة الزكاة والدخل والجمارك ووزارة النقل وغيرها من أجهزة الدولة حيث شاركت أكثر من عشر سفن حربية بداية من يوم 22 إبريل في إجلاء نحو 2148 شخصاً من السودان (114 مواطناً سعودياً، و2034 شخصاً ينتمون ل62 جنسية)". هل كانت الأزمة السودانية مفاجئة؟ ربما كان انفجار الصراع في السودان مفاجئًا للإنسان العادي، لكنة لم يكن مفاجئًا للمراقبين والمطلعين على الشأن السوداني، وأصبح واضحًا من نشر الفضائح والغسيل الوسخ بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي أن الصدام لم يحدث بين ليلة وضحاها بل كان مخططًا له منذ زمن طويل وشاركت في ذلك أطراف دولية وإقليمية كثيرة أبرزها "إسرائيل" التي تحتفظ بعلاقات مع الرجلين المتصارعين على السلطة خدمة لأجندات خارجية لا تخدم مصالح الشعب الذي اضطر عشرات الآلاف منه إلى النزوح. ولأن قيادة المملكة لم تكن غائبة عما يجري على الساحة السودانية، فقد حاولت لجم هذا الصراع الدامي منذ ساعات انفجاره الأولى، وعندما اختار الرجلان الاحتكام إلى لغة السلاح، كانت استجابة قيادة المملكة للأزمة سريعة بناء على خطة مدروسة فقامت بعملية الإجلاء التي أكسبت المملكة احترام العالم المتفرج على النار السودانية والمغذي لها. لقد أدركت قيادة المملكة منذ البداية بأن اقتتال "الأخوة الأعداء" سيطول على الرغم من مناشدتها لوقفه، لذلك مارست دورها الإنساني في إنقاذ أرواح أكبر عدد من المدنيين وستظل تمارس هذا الدور الأخلاقي باقتدار بينما يلعب الآخرون دورهم التآمري القذر سرًا وعلانية في تفتيت السودان والتسابق على النفوذ في القارة السوداء!