تعرّف الأزمة بأنها: (لحظة حاسمة، ووقت حرج، وحالة من عدم الاستقرار، تنبئ بحدوث تغيير حاسم ووشيك، قد تتسبب بارتباك أو شل تفكير الناس، وتقع في توقيت لا يختاره المتأثرون بها). إن أي مدينة في العالم معرضة إلى مواجهة أزمات وكوارث طبيعية سواء كان بها شبكات لتصريف المجاري والسيول أم لا، او وجدت مضخات ضخمة لرفع المياه من الأنفاق ام لا، فأمر الله سيبقى نافذا. لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه المدن الحديثة في نظري هي مدى نجاح المدينة في إدارة حالة الطوارئ ميدانيا وبشكل سريع وفاعل، بحيث تجنب أو تقلل من المخاطر التي يمكن أن تواجه السكان فلا تتحول الى كارثة. وقد أثبتت الأزمات التي حدثت خلال الأعوام الفائته بسبب الأمطار الغزيرة او جائحة انفلونزا الطيور أن بعض الأجهزة المعنية غير جاهزة ميدانيا لمواجهة حالات الطوارئ او على أقل تقدير فهي تتأخر عن القيام بمهامها لحظة الحدوث مما يزيد من حجم الأزمة فتصبح كارثية! ومن خلال متابعتي وخبرتي الشخصية في التعامل مع بعض الأزمات أرى أن هناك مشكلة حقيقية في إدارة الأزمات بشكل جماعي فاعل ميدانيا، بداية من التنبؤ والتوقع لتوقيت حدوثها وحجمها مرورا بالاستعداد الميداني وانتهاءً بالتعامل مع الآثار؛ كما لا توجد رأس حربة تقود فرق العمل الميداني؛ إنما مجموعة من رؤوس الحراب يعمل كل منهم بطريقته والبعض يعمل كيفما اتفق هو ومن معه في الميدان، وتبدأ التدخلات والاجتهادات الشخصية ويختلط الحابل بالنابل!! إن إدارة الأزمات فن لإدارة السيطرة من خلال رفع كفاءة وقدرة نظام صنع القرارات سواء على المستوى الجماعي أو الفردي للتغلب على مقومات الآلية البيروقراطية الثقيلة التي قد تعجز عن مواجهة الأحداث والمتغيرات المتلاحقة والمفاجئة، وفيما يلي بعض الأفكار جمعتها من عدة مصادر ووضعتها في عدة نقاط علّها تساعد الأجهزة المعنية وتسهم في تقليل المخاطر - بعد حفظ الله- التي تواجه السكان: حصر الأجهزة المعنية التي من المفترض ان تشارك ضمن فريق دائم لقيادة الأزمات، ويجب ان يكون لكل جهة مندوب دائم وليس مؤقتاً. تشكيل فريق دائم لقيادة الأزمات والكوارث في كل مدينة، يحدد في قرار تشكيلها بوضوح من هي الجهة القائدة عند توقعات الكوارث أو الأزمات وصلاحيتها وأسلوب تجاوب الجهات المساندة الأخرى معها، فلا ينازعها في ذلك جهة أخرى بل تتحول إلى مصادر ميدانية للدعم، تضيف إلى التعامل اللحظي مع الحدث تراكم للخبرات والتجارب، فلا يبدأ الفريق في كل مرة من المربع الأول. توحيد غرف الطوارئ (السيطرة والتحكم) في حالة حدوث الكوارث وتحديد رقم مركزي موحد وسهل لاستقبال جميع البلاغات مثلا (911) أو (112). تقسيم المدينة إلى قطاعات وتحديد الفرق والقيادات الميدانية والمعدات والآليات وتزويدهم بخرائط الكترونية وورقية، وأجهزة لاسلكية لتسهيل التواصل فيما بينهم ومع القيادة المركزية (ملاحظة أن الجوالات لا تصلح للتواصل في حالة الأعاصير والأمطار والكوارث الطبيعية). نظرا لطبيعة الأزمة وحاجاتها، فمن الضروري تحديد أشكال وأنواع الأزمات والكوارث المتوقعة، ومن ثم وضع خطة افتراضية لمواجهة كل نوع من أنواع الأزمات والكوارث؛ إذ إن التعامل مع الزلازل او بركان يختلف عن التعامل مع الأمطار والأعاصير او انفلونزا الطيور .. وهكذا. من الأهمية أن يكون هناك "سيناريوهات للخطط" المرسومة لمواجهة الأزمات المتوقعة؛ وتوفير جميع مستلزمات بشرية أو مادية أو معنوية أو غيرها. والقيام بتجارب افتراضية تختبر فيها فاعلية التنسيق ونقاط الضعف بين الجهات المساندة مع الجهة القائدة. التأكد من الجاهزية: عن طريق القيام بالتدقيق الدوري على الخطط والخبرات ومدى صلاحيتها (كل ستة أشهر) أو قبل دخول فصل الربيع وفصل الخريف، وكذلك المعدات والأدوات وجميع احتياجات هذه الخطط، والتأكد أنها متوفرة وجاهزة. ويمكن ايكال ذلك إلى جهة متخصصة تضع معايير للجاهزية وتقيسها بدقة. دراسة الواقع واستشراف المستقبل؛ لبناء القدرة لدى الفرق الميدانية على التعرف على مؤشرات الخطر المبكرة، مما يجعلها على استعداد للعمل بسرعة من أجل حصر الضرر في أضيق الحدود. وكذلك القدرة على ترجمة المعلومات والمعطيات الوقتية بسرعة إلى قرارات لتفعل ميدانيا. إدارة الأزمات بحاجة إلى صدر واسع وحكمة بالغة، لذا يحسن أن يكون هناك ناطق باسم إدارة الأزمة يتصف بالحكمة وسعة الصدر، ليستطيع التعامل مع الإعلام، فهو أخطر الأجهزة وأكثرها تأثيرا، والإعلام سلاح ذو حدين، إما أن يستثمر لصالح التخلص من الأزمة أو يكون سببا في مضاعفتها. إيجاد وسائل للتواصل المباشر مع السكان وخاصة المتواجدين منهم خارج منازلهم مثل؛ اللوحات الإلكترونية في الشوارع، محطات الإذاعة عبر البث المباشر من القيادة المركزية رسائل الجوال. حيث لوحظ ارتباك لدى جهات الرصد وتعطل في نقل المعلومة من جهة الرصد إلى الجهة المخولة بالتحذير إضافة إلى عدم صلاحية اللغة المستخدمة عند التعامل مع السكان من خلال وسائل الاعلام، فلا يذكر مبكرا ماهو المطلوب منهم بالتحديد والخيارات المقترحة والآمنة لهم. وقد يكون من الضروري تحديد قنوات خاصة، تلفزيون واذاعة تتحول عند الإعلان عن حالة الاستعداد لمواجهة أزمة إلى ذراع إعلامي لها، مع بقاء التحذيرات في وسائل الإعلام الأخرى!. عمل خريطة خاصة للمدينة محدد عليها جميع الطرق والأنفاق والمداخل والمخارج والخطوط البديلة بحيث تحدث كل ساعة لتحتوي المعلومات المتغيرة على أرض الميدان من إقفال طريق أو تحويله. يفضل قيام أعضاء فريق إدارة الأزمات والكوارث بالمشاركة في دورة تدريبية متخصصة في إدارة الأزمات والكوارث. تهيئة برنامج متكامل للمتطوعين -كما هو معمول به في كثير من الدول- يمكن القادر من المواطنين والمقيمين (على حد سواء)، من المشاركة الفاعلة في الجهود المبذولة من خلال تسجيلهم تزويدهم بالمهارات التي تُسهم في حماية الأفراد والحد من الآثار السلبية للأزمة. وتدريب بعضهم على حالات الطوارىء و إدارة الأزمات، ليكونوا جزءاً من منظومة فرق تطوعية تساهم في التخفيف من الأضرار التي يمكن أن تنجم. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آل وصحبه وسلم.