ظهرت مؤخراً إرهاصات ثورة تقنية جديدة قد تتجاوز في حجم تأثيرها ظهور محرك البحث غوغل، لتؤرخ لمنعطف جديد في مسيرة البشرية الحضارية، أتحدث هنا عن البرنامج الجديد الذي قدمته شركة OpenAI المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والذي أحدث الكثير من اللغط بين الخبراء من مختلف التخصصات، كما أثار أيضاً العديد من الأسئلة والمخاوف حول التطور المرعب في الذكاء الاصطناعي وقدراته على محاكاة البشر إلى حد يجعل من الصعوبة تفريق المنتج النهائي وما إذا كان من صنع هذه الأداة أو من إبداع الإنسان. ورغم أن برنامج ChatGPT الذي أطلقته هذه الشركة لازال في قالبه التجريبي إلا أنه أذهل مستخدميه؛ حيث خاض امتحانات معقدة مثل اختبارات القانون في جامعة مينيسوتا الأمريكية، واختبارات مدرسة بنسلفانيا للأعمال وتمكن من تحقيق درجات النجاح، كما تمكن البرنامج من كتابة كلمات الأغاني وأكواد البرمجة والروايات والمقالات العلمية والقصص، بجودة تحاكي القدرة البشرية. الطريف أن مذيع تلفزيون CNN أندرسون كوبر استضاف أحد الخبراء للحديث عن هذا البرنامج وبعد أن قرأ المقدمة التي يعرف من خلالها بالضيف والحلقة؛ قال: "هذه المقدمة لم أكتبها أنا ولم يكتبها أحد من فريق الإعداد بل كتبها برنامج ChatGPT، قلنا للبرنامج ببساطة، كيف يمكن للمذيع أندرسون كوبر من CNN أن يكتب مقدمة لمقابلة مع البروفيسور سكوت غالوي حول ChatGPT، فقام البرنامج بكتابة المقدمة المتكاملة التي سمعتموها قبل قليل". الكثير من الجدل ثار حول هذا البرنامج وقدراته المذهلة، البعض رأى فيه تهديداً للإنسان ومن ذلك على سبيل المثال تحييد البشر من وظائف إبداعية مثل كتابة المحتوى والبرمجة والتصميم وغيرها، كما يخشى الأكاديميون أيضاً أن يسيء الطلاب استخدامه عبر الغش وكتابة أبحاثهم من خلاله، أما المخاوف الكبرى من البرنامج والتي طرحها بعض الخبراء؛ فتشبه إلى حد كبير ما تناولته أفلام الخيال العلمي من تطور الذكاء الصناعي ليبدأ في اتخاذ القرارات والسيطرة على الإنسان. هذا البرنامج سيساهم بثورة معرفية هائلة وبطبيعة الحال سيكون له الكثير من التداعيات السلبية أيضاً لكنه أيضاً سيقدم خدمات مهمة للباحثين ويطوي المراحل ويختصر الوقت والجهد للوصول للمعلومات وترتيبها، وأعتقد أن الإنسان بعبقريته وتفوقه الكبير قادر على ترويض مثل هذه البرامج وتطوير آليات للحد من استخداماتها السيئة، لكن ما يقلق حقيقة هو التأثيرات النفسية والاجتماعية على البشر الذين يعانون بالفعل من تصدع العلاقات الإنسانية بسبب الثورة الاتصالية الحالية، خصوصاً أن هذه البرامج لن تأخذهم فقط إلى عالم افتراضي يتفاعلون فيه مع أقرانهم البشر كما هو الحال الآن، بل ستخلق لهم أصدقاء افتراضيين يستغنون بهم عن أشكال التواصل الإنساني الأخرى، وهذا ما سيزيد من عزلة الإنسان عن واقعه.