مثلما يلجأ الأفراد لتبرير الأخطاء أو الفشل بعوامل خارجية حماية للذات، كذلك تفعل المؤسسات وحتى الدول للدفاع والهروب من المسؤولية. يبدأ الإنسان منذ الطفولة ممارسة هذا السلوك إذا كانت العائلة لا تتعامل مع الأخطاء بالطريقة الإيجابية، يحدث هذا حين لا يتعود أفراد العائلة على تحمل المسؤولية والاعتراف بالأخطاء ويكون العقاب هو الحل الوحيد. حين يتكرر الفشل أو الأخطاء وتتكرر نفس الأعذار التي تبحث عن من يقع عليه اللوم إلا عن نفسها فهذا يتعدى مرحلة الإسقاط إلى التأكيد على أن التغيير والتطوير وحل المشكلات أمر لا أمل فيه. في هذه المرحلة يتحول الإسقاط إلى الإساءة لنجاح الآخرين وتشويه هذا النجاح بأمور من وحي الخيال، وهذا أسلوب متطور في الدفاع عن النفس وتبرير الفشل. هكذا يفعل بعض الأفراد وبعض المؤسسات والدول. الموظف السلبي يلوم المدير، الطالب الكسول يلوم المدرسة، الفريق الرياضي الخاسر يلوم التحكيم، الأندية الرياضية الفاشلة إدارياً تلوم الأجهزة الرسمية، الدولة العاجزة تلوم المؤامرة وتهاجم الدول الناجحة. العالم لا يخلو من المؤامرات ولكن القيادات السياسية والتلاحم والوضح بينها وبين الشعوب، وتوفر الإرادة والإدارة واستثمار الموارد والقدرات البشرية يغلق الباب أمام المؤامرات والخيانات. التطور الجديد هو أن الفاشل أصبح لا يبرر الفشل ولكن يلجأ إلى تشويه نجاح الآخر، يدمن الفشل ولا يملك إرادة العمل ولا مقومات النجاح ولكنه يملك مهارات التشويه والتشكيك ونقد الآخرين. هذا هو المفهوم الجديد للإسقاط بعيداً عن مفاهيم علم النفس التفصيلية. من يعجز عن النجاح يستسيغ إدمان الفشل لكنه لا يكتفي بذلك بل يوجه إلى الناجحين سهام الحسد والتشكيك والاتهامات والإشاعات. أما الأفراد الناجحون أو المؤسسات أو الدول الناجحة فهم يرددون مع المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم في عالم اليوم يبرز الإسقاط بهذا المعنى في المجالات المختلفة الإدارية والاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية. يمكن القول: إن أغرب وأوقح حالة إسقاط وتناقض وخيانة وإدمان للفشل في التاريخ هي حالة حزب الله الذي دمر لبنان بمساعدة إيران باعتراف أمين الحزب، وهذا الأخير الذي يعتبر السعودية عدوه الأول، يأتي في خطاب جديد ليناشد السعودية كي تدعم لبنان، وكأنه يقول ادعمونا حتى نستمر في مقاتلتكم، وكأنه يقول أيضاً بأسلوب غير مباشر، أنتم سبب فشلنا!!