«غي دو موباسان» (1850-1893)، واحد من كبار الكتَّاب الفرنسيين خلال القرن التاسع عشر، اشتهر أساسا برواياته وقصصه القصيرة الواقعية، غير أنه خلَّف إرثا من الأهمية بمكان في مجال الإبداع السردي الغرائبي (الفانتاستيكي)، لا سيما في القصة القصيرة. ولقد كان لمعاناته بسبب مجموعة من الأزمات النفسية، والنوبات العقلية، وبعض شطحات الحمق والجنون دور في طبع أعماله القصصية بطابع الشك والريبة، والرعب من المجهول والخوف منه، والزج بالقارئ في دوامة من الغرائبية التشاؤمية التي تجعله يعيش حيرة بعد الانتهاء من قراءة العمل. غير أن «موباسان» كان من السباقين إلى التعبير عن غرائبيته هذه من داخل جنس الشعر، مؤسسا بذلك لتقليد لم يستمر طويلا، ولم يجد كثيرا من الأتباع، غير أنه علامة بارزة في مسيرته الإبداعية. وهذه واحدة من قصائده في هذا الباب: نص القصيدة: في هذا المساء، قرأت كثيرا كنا في منتصف الليل، وفجأة انتابني الخوف مم؟ لا أدري، غير أنه كان خوفا بهيما فهمت، متلاحق الأنفاس مقشعر البدن أن ثمة شيء ما رهيب سيحدث... فهُيِّئَ لي أن ورائي كيان ما واقف، يحمل وجهه ضحكة شنيعة، جامدة وعصبية ورغم ذلك لم أكن أسمع شيئا آه من هذا العذاب! عذاب أن أشعر به ينحني ويقترب بتؤدة من شعري وأن يده تكاد توضع على كتفي وأني لا محالة ميت إن لمستني هذه اليد... كان مستمرا في الانحناء عليّ، مقتربا أكثر فأكثر أما أنا، فلِسلامتي لم أحرك ساكنا ولم أُدِر رأسي إلى الخلف... وكعصافير تائهة مهزومة وسط عاصفة كذلك كانت هواجسي بدون بوصلة، ترتعد فرقا وعرق بارد يعلن الموت يجمد كامل أعضائي وساد في غرفتي صمت رهيب إلا من صوت اصطكاك أسناني رعبا وفجأة ارتفع صوت صرير؛ ومن شدة هلعي فلتت من بين شفتي أعتى صرخة رعب صدرت عن كائن حي ما فسقطت إلى الخلف، متخشبا بدون حراك *أستاذ مُبَرَّز في اللغة العربية – المملكة المغربية