يعيش الأميركيون هذه الأيام حقيقة مفزعة ومكلفة في آن واحد، فقد دشن المشرعون نهاية الأسبوع الماضي أسوأ أزمة سقف للديون في التاريخ الأمريكي بوصوله إلى مستويات فلكية عند 31.4 تريليون دولار، أي 130 % من الناتج الإجمالي للبلاد، وهو سقف مخيف يمنع الحكومة الفيدرالية من الاقتراض، ويلزمها قانوناً بالاعتماد على سيولتها النقدية للوفاء بالتزاماتها، والمعضلة الحقيقية قد تأتي في الصيف، وتحديداً أوائل يونيو، بالرغم من أن وزارة الخزانة قررت استخدام إجراءات استثنائية لمنع التخلف عن السداد. لكن، مشهد سقف الديون الأميركية المتكرر سنوياً بشكل مسرحي وهزلي، يدفع إلى أسئلة كثيرة، فقد اعتاد الكونغرس لأكثر من قرن على الإذن بكل عملية بيع لسندات الخزانة لتمويل مشاريع محددة، إلا أن المشرعين منحوا وزارة الخزانة مزيدًا من المرونة بشأن الديون في عام 1917، بالتزامن مع اندلاع الحرب العالمية الأولى والمساعي الحكومية لتعظيم النمو الاقتصادي، وقبل الحرب العالمية الثانية مباشرة، أعطى الكونغرس وزارة الخزانة سلطة غير محدودة لتقرير الأوراق المالية التي يجب بيعها وكيفية إدارة ملف الديون بشكل أفضل، ومنذ ذلك الحين، اندلعت معارك سنوية حول رفع الحد الأقصى للاقتراض، مع اضطرار الرؤساء إلى إقناع المشرعين المترددين. بطبيعة الحال، فإن القلق ينهش المستثمرين الآن، لأن عدم قدرة الحكومة على إصدار ديون جديدة يعني تأخير عروض السندات، وإذا تخلفت الولاياتالمتحدة عن سداد ديونها، وهذا الاحتمال مستبعد، فسيكون لهذا آثار سلبية كبيرة على مجموعة الأصول المالية بما في ذلك السندات والأسهم والدولار، إلا أن الفوضى المالية الراهنة قد تؤدي في النهاية إلى حل وسط، لكنه حل قد يتأخر بما يكفي للتعجيل بدوامة الركود، وسيترك هذا الأمر بعض الندوب الكارثية على الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك زيادة تكلفة تمويل الديون التي تسلك بأكبر اقتصاد عالمي طريق الهاوية. يزيد التخلف عن السداد التكاليف بالنسبة للأسر والشركات، ونعتقد أن المفاوضات بشأن حد الديون لن تبدأ بشكل جدي إلا بعد أن يلقي الرئيس الأميركي جو بايدن خطابه المرتقب عن حالة الاتحاد في 7 فبراير، وقد تتكثف المفاوضات بين الجمهوريين والديمقراطيين بحلول منتصف أبريل، عندما يصل موسم الضرائب إلى ذروته مع يوم تقديم ضريبة الدخل، وربما تصبح وزارة الخزانة قادرة على التمديد إذا حصلت على عائدات ضريبية أكثر من المتوقع في أبريل. وإذا لم يتمكن الكونغرس من تطوير حل طويل الأجل بحلول يونيو، فسيمرر المشرعون تعليقًا لمدة ستة أشهر لحد الاقتراض لاكتساب مزيد من الوقت حتى يحدث توافق سياسي حول حل الأزمة، وبالرغم من مقترحات الجمهوريين بإعطاء الأولوية لمدفوعات ديون ضرورية مثل مدفوعات خدمة الديون، والضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، ومزايا المحاربين القدامى، وتمويل الجيش، إلا أن هذه الخطة قد تفشل في الممارسة العملية، لأنها ستظل بحاجة إلى موافقة البيت الأبيض والديمقراطيين حتى يتم تفعيلها.