يعود النقل بالأنابيب إلى الحضارات القديمة، إذ تم استخدامها في مصر وبلاد ما بين النهرين وروما، وكانت تصنع من الطين والحجارة، ويعتقد أن استخدام الأنابيب في نقل البترول تم لأول مرة في أميركا عام 1865م، وكانت أنابيبَ خشبيةً لنقل كميات من بترول بنسلفانيا إلى المناطق المحيطة، وقد تطورت أنظمة خطوط الأنابيب لتصبح الحل الأساسي للأنشطة التجارية من حيث الأمان والموثوقية والفاعلية، وبحسب دراسة لمركز الملك عبدالله للأبحاث مثلت تجارة الغاز العالمية عبر خطوط الأنابيب 22 % من إجمالي التجارة العالمية للغاز عام 2019م، ووفقاً لشركة غلوبال إنرجي مونيتور كان هناك ما لا يقل عن 2381 خط أنابيب نفط وغاز عاملة موزعة على 162 دولة حتى عام 2020م، ويبلغ الطول الإجمالي لهذه الأنابيب 1.18 مليون كيلومتر، وهو ما يكفي للدوران حول الأرض 30 مرة، وغالبية شبكة خطوط الأنابيب موجودة في أميركا وروسيا وكندا. ويتميز النقل بالأنابيب بانخفاض تكاليف النقل عن الطرق الأخرى، وانخفاض تكاليف الصيانة، وتقليل مسافة النقل بالوسائل الأخرى، وتعد عملية النقل بالأنابيب الأقل تأثراً بالظروف المناخية، كما أنها تتوافق مع المناطق الصحراوية والبحرية، ولا تتطلب عملية النقل عمالة كثيرة. وبالنظر في شبكة الأنابيب الموجودة في المملكة حالياً نجد أن الطول الإجمالي لخطوط الأنابيب العاملة أو الجاهزة للتشغيل المبدئي أو التي توقف تشغيلها يبلغ 3850 كيلومتراً، فيما يبلغ طول الأنابيب الجاري إنشاؤها 1075 كيلومتراً حسب شركة أرامكو، بينما تمتلك الجزائر 13630 كيلومتراً من أنابيب الغاز وفق تقرير أصدرته غلوبال إنرجي مونيتور، أما أميركا فتمتلك شبكة أنابيب لنقل الغاز يبلغ طولها 333,366 كيلومتراً، وتصدر 70 % من إنتاجها من النفط والغاز عبر الأنابيب، وتصدر روسيا معظم إنتاجها من الغاز عبر الأنابيب إلى أوروبا، وأشهر هذه الخطوط "نورد ستريم2" الذي يبلغ طوله 1225 كيلومتراً، يمر تحت بحر البلطيق يصل إلى شمال ألمانيا، وهناك خط أنابيب الصين - تركمانستان الذي يتيح نقل الغاز على بعد نحو 7000 كيلومتر من تركمانستان إلى شنغهاي. ومع توالي الاكتشافات الغازية في المملكة وتوقع أن تصبح المملكة ثالث أكبر مصدر للغاز عالمياً في 2030م عقب تطوير حقل الجافورة الذي يبلغ مخزون الغاز فيه أكثر من 200 تريليون قدم مكعبة قياسية، والبدء باستخراج الغاز من الحقول المكتشفة الجديدة كان لابد من وضع الخطط لتطوير شبكة من الأنابيب تنقل هذا الغاز من أماكن استخراجه إلى مناطق مستهلكيه سواء المحليين في المدن الصناعية والمناطق السكنية، خاصة مع تعزيز المملكة دور الغاز والطاقة المتجددة في توليد الكهرباء، أو خارجياً عبر تصديره إلى دول الجوار عبر شبكة أنابيب تربط دول منطقة الخليج ببعضها، ويمكن التفكير بمشروع شبكة أنابيب تصل المملكة بالبحر المتوسط عبر البحر الأحمر ومصر، وبهذه الشبكة يمكن تصدير الغاز إلى أوروبا، إما عبر بناء محطات لتسييله ومن ثم نقله بالبواخر أو التفكير بمد أنابيب تصل مباشرة إلى أوروبا، وبذلك يتم التخلص من مضايقات الإيرانيين في مضيق هرمز، والحوثيين في مضيق باب المندب، وأيضاً التخلص من إغلاقات قناة السويس بسبب جنوح بعض السفن فيها أو الاختناقات والزحام فيها؛ فالتكلفة اليومية للاقتصاد العالمي هي 10 مليارات دولار في حال توقفت التجارة في قناة السويس، وسيحقق فوائد كبيرة للمنتج والمستهلك. وفي حال إنشاء خط أنابيب من المملكة عبر البحر الأحمر إلى مصر، وبالتحديد عبر جزيرة تيران ثم خليج السويس، ثم سواحل الإسكندرية بالتوازي مع خط أنابيب سوميد، فسيمر الأنبوب عبر مياه متوسط أعماقها 80 متراً فقط، بينما خط أنابيب شرق المتوسط "الخط الروسي الجنوبي" الذي يبلغ طوله 1250 كيلومتراً يمر في مياه تزيد أعماقها على 3000 متر، يبدأ من قبرص ثم إلى المياه الإقليمية المصرية ويتجه الأنبوب إلى كريت ثم اليونان ثم إيطاليا. وبحسب دراسة ل"كابسارك" عن فرص تجارة الغاز الطبيعي، فقد تحقق شبكة الغاز فوائد ومنافع متبادلة، نتيجة استبدال واردات الغاز الطبيعي المسال الإقليمية بتجارة الغاز عبر الحدود بتكاليف إمداد أقل، ويمكن لهذه الشبكة بعد تطويرها أن تنقل وقوداً منخفض الكربون مثل الأمونيا والهيدروجين والميثان الصناعي والغاز الطبيعي المتجدد، وكذلك يمكن نقل الغاز بعد تحويله إلى كهرباء عبر الأسلاك بعد التوسعة الكبيرة لشبكة الربط الكهربائي الإقليمية. أتمنى رؤية أنابيب الغاز تصل إلى جميع المناطق الصناعية في المملكة، فاستخدام الغاز في الصناعة يعد من الحلول المثلى للمحافظة على البيئة، وأوفر للمصانع من مصادر الطاقة الأخرى، مما يؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج، وتمكينها من منافسة مثيلاتها الأجنبية في الأسواق المحلية والخارجية، وسيكون له أثر إيجابي وبارز في دعم الصناعة الوطنية، وكذلك إيصالها إلى كل التجمعات السكانية، ومن ثم يتم وضع الخطط لإيصال الغاز إلى المنازل؛ فهذا المشروع الحيوي يواكب الحركة النهضوية والتنمية الشاملة اللتين تشهدهما المملكة، وأتمنى ربط دول مجلس التعاون الخليجي بشبكة أنابيب لتوصيل الغاز، على غرار الربط الكهربائي فيما بينها، وأتمنى عمل دراسة جدوى لمشروع مد شبكة أنابيب من المملكة إلى البحر المتوسط عبر البحر الأحمر ومصر. أخيراً، أشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- على ما يوليانه للوطن من رعاية واهتمام لجعله في طليعة الدول المتقدمة، متمنياً على الحكومة إعطاء الأولوية لتوسعة شبكة أنابيب النقل، باعتبارها مشروعاً قومياً استراتيجياً سيسهم في تحقيق فوائد اقتصادية وبيئية متعددة. م. سعد بن إبراهيم المعجل