ما أحلكَ النفقَ الطويلَ ظلامُهُ منْ أين يبدأ؟ ثم أين سينتهي بكَ مشيُهُ؟ وتدورُ أسئلةُ الشكوكِ على مخاوفِ قلبِكَ الخاوي وأنّى للخواءِ بأن يجيبَ يقينهُ في قعرِ وادٍ من ظلالِ الشكِّ والوهمِ السحيقْ؟ لا بابَ في الأنفاقِ يُفتحُ للضياءِ فتبصرُ الخطواتُ بوصلةَ السراطِ المستقيمِ وليس فيها أيُّ شبّاكٍ فيُغلقُ عن غرابِ الحزنِ كيلا ينقرَ القلبَ المضرَّجَ بالنعيقْ لا شيءَ في الأنفاقِ يؤنسُ وحشةَ الساري بها لا شمسَ في الشمعاتِ لما تنطفي أنوارُها لا لحنَ في الأصداءِ لما تختفي أصداؤها لا شيءَ في اللاشيء وحدكَ هاهنا تمشي بدربٍ لا نهائيِّ الظنونِ ووحدهُ الشيطانُ يردفُ خطوكَ الحيرانَ يملأُ قلبَكَ الخالي بأوهامِ الفناءِ ويشعلُ الوسواسَ في غاباتِ عقلكَ كالحريقْ تتذكرُ القصصَ المريعةَ مثلما رُوِيَتْ قديماً مِنْ شفاهِ السائرينَ حفاةَ أقدامٍ على شوكٍ من الألغامِ في حُفرِ الطريقْ عمَّن نَجَوْا في آخر المشوارِ مِنْهُمْ والذين تساقطوا في رحلةِ الأوهامِ رغمَ غنائِهم ووعودِهم لأحبةٍ في البعدِ ينتظرونَ حلْمَ هديةِ المحارِ من كفِّ الغريقْ! لكنه، بالرغم من يأسِ الوساوسِ في ثنايا جوفِ حوتِ الحزنِ في ظلماتِ ليلٍ سرمديٍ لا تنامُ شجونُهُ فلسوفَ تُسمَعُ دعوةُ المضطرِّ في الأسحارِ ملهوفَ اليدين لتُرسَلَ الآمال في كتبِ الأماني للسماءِ سطورُها عمقُ النداءِ وحبرُها صدقُ الرجاءِ ولن تعودَ بخيبةِ الخذلانِ فارغةً فإن الصبحَ حتماً سوف يرسلُ شمسَهُ كي تبصرَ الأنفاقُ دفءَ النورِ في عينِ الحيارى حين تلمحُ لمعةَ الأضواءِ تشرقُ آخرَ النفقِ الطويلِ تشعُّ في فرحٍ وترقصُ في انتشاءٍ فوقَ أنهارِ البريقْ!