قبل سنوات وفي طوكيو كان هنالك سفير لدولة شرق أوسطية عرف عنه التعالي والتكبر والتعامل السيء واستخدام ألفاظ نابية مع موظفيه ومرؤوسيه. كان كثيراً ما يجمع موظفيه ويبدأ في كيل الشتائم لهم أو لأشخاص آخرين غير موجودين لساعات طويلة. أضف إلى ذلك استخدامه لأسلوب التمثيل في تصنع الابتسامات الود أمام من يتعامل معهم والعمل على تدبير المكائد واختلاق أي مشكلات من وراء ظهورهم. وصادف أن التقيت أحد موظفيه في مناسبة عامة وبدأ يشتكي قائلا: "أشعر أن روحي مثقلة وجسدي منهك من كمية الطاقة السلبية التي يبثها هذا الرجل في اجتماعاته معنا.. لم أعد أستطيع أن أتحمل أكثر. من الصعب أن تعمل وتركز على مهامك وذهنك وبالك مشغول بهذا الرئيس الذي لا تأمن جانبه ولا تعرف من أين سيلدغك؟". لم تكن نهاية ذلك السفير الشرق أوسطي سعيدة حيث انتهى الأمر بإعفائه بعد مشكلات كثيرة مع موظفيه.. هذا القصة تسلط الضوء على الآثار الهدامة للتعامل غير المهذب وخاصة فيما يتعلق بتعامل المديرين مع مرؤوسيهم. وقبل أن نتعمق في الموضوع قد يطرح البعض سؤالاً عن ما الذي نعنيه بالتعامل غير المهذب؟ في الواقع يشكل ذلك الكثير من التصرفات والسلوكيات التي قد تشمل تعمد الإهانة والانتقاص من قدر الشخص المقابل أو النقد اللاذع والسخرية والهجوم غير المبرر في الاجتماعات أو أمام بقية الموظفين والمديرين وغيرها. وتستعرض الدكتورة كريستينا بوراث نتائج دراستها التي أجرتها في استبيان على خريجي مدارس الأعمال حول أثر التعامل الفظ وغير المهذب على الأداء. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن التعامل غير المهذب تسبب في التأثير السلبي على الأداء كما يلي: 66 % من الموظفين قلت جهودهم التي يبذلونها في العمل 80 % خسروا الكثير من أوقات العمل بسبب التفكير السلبي الزائد 12 % قرروا الاستقالة ترك العمل لأماكن أخرى. في الواقع أن شركة سيسكو العملاقة تبنت نتائج الدراسة ووجدت أن عدم التهذيب يكلف الشركة 12 مليون دولار سنويا في تقديرات متحفظة. في الحقيقة لم ينته الأمر هنا، أوضحت الدكتور كريستينا أن الأثر السلبي لهدم التهذيب لا يقتصر على الشخص الذي يتعرض للسخرية أو الإهانة، بل حتى بقية الموظفين الذي يشاهدون هذه السلوكيات. حيث تبين أن أداء بقية الموظفين الذين يعملون في بيئات عمل غير مهذبة انخفض أداؤهم 25 %، وقلت القدرة على ابتكار أفكار جديدة بنسبة 45 %. ورغم أن الكل قد يعتقد أن هذه النتائج قد تكون بديهية إلا أن الكثير من بيئات العمل ما تزال تعاني من مشكلة عدم التهذيب وقلة الاحترام في التعامل. ولعل من الأسباب التي تقود لذلك هي سوء الظن الخاطئ لدى الفئة غير المهذبة من المديرين أن التعامل الفظ وغير المحترم ينم عن القوة والسيطرة والقيادة. أو ربما سوء الظن أن هذا الأسلوب سيدفع الناس لإنجاز المهام. لكن الحقيقة أن الاحترام والرحمة والأدب هي سمات القيادة الناجحة القادرة على تحفيز الموظفين للعمل والإنجاز. وهي الصفة التي أثنى بها الله عز وجل على رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ 0للَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ 0لْقَلْبِ لَ0نفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَ0عْفُ عَنْهُمْ وَ0سْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى 0لْأَمْرِ) وختاما، التعامل الإنساني والسلوك الراقي دليل قوة القائد وليس ضعفه، ومؤشر لقدرته على تحفيز فريقه لتحقيق الإنجازات، ولا يتنافى ذلك أبداً مع الحزم والصرامة طالما لم يكن فيها ظلم أو إساءة لأحد.