لاشك بأننا نحتاج للتغيير في الكثير من تفاصيل حياتنا، الصغيرة والكبيرة، ولكن السؤال المعقد الذي مازال يتكرر منذ البدايات الأولى التي صُنعت فيها مظاهر وملامح المدنية والتحضّر: كيف يحدث ذلك التغيير؟ التغيير كهدف منشود، لن يتأتى بمجرد حضور الرغبة أو قراءة كتاب تحفيزي أو الاستماع لخطبة حماسية، ولكنه -التغيير- كفلسفة وحالة وقيمة، لن يتحقق بتلك الخطوات الابتدائية، رغم أهميتها، ولكنه يحتاج إلى حزمة طويلة من الدروس والإمكانيات والخبرات والتدريبات والتضحيات، لأنه ليس مجرد «خلطة سرية» يمكن الحصول عليها من متجر ما. كثيرة هي الدراسات والتقارير والبحوث والكتب التي تتناول ظاهرة التغيير في طبيعة السلوك الإنساني، بعضها على شكل نصائح وخبرات وتجارب، وبعضها عبارة عن حزمة مفاتيح وأسرار وآليات، ولكنها في أغلبها مجرد «منتجات تسويقية» تبحث عن مستهلك يشتري الوهم. التغيير، لعبة مثيرة ومشوقة بين مفردتين سحريتين وخادعتين وهما «كيف» و»لماذا»..!! أغلب ما حولنا من نصائح وكتب وأفلام وبرامج تدور في فلك ال»كيف»، وكيف هي قادرة على تغيير حياتنا بمجرد قائمة بسيطة من الإرشادات أو مقطع تحفيزي لا تتجاوز مدته دقيقة واحدة أو خلاصة تجربة مؤثرة لمتقاعد من وظيفة مرموقة. ولكن، ماذا عن «لماذا»؟، ولماذا هي بعيدة جداً عن فكرنا ومزاجنا؟ إن محادثة قصيرة مع طفل في الثالثة من عمره، ستكون شيقة ومزعجة بنفس القدر، لأنه سيُمطرك بوابل من الأسئلة التي لا تنتهي. أسئلة ستبدأ بمفردة واحدة على الأغلب وهي «لماذا»: لماذا أنت أطول مني؟ ولماذا السماء زرقاء؟ ولماذا توجد نقاط على جسم النمر؟ يُحاول هذا الطفل اكتشاف العالم من حوله، واستخدامه المتكرر ل»لماذا» هو الطريق المباشر والسريع للقيام بذلك. المشكلة التي تواجهنا في «طريق التغيير» الذي نتوق للوصول إلى نهايته، هي أننا لسنا في الثالثة من أعمارنا، وحياتنا أكثر تعقيداً من حياة ذلك الطفل الصغير. «لماذا»، هي سر النجاح الذي نبحث عنه طيلة حياتنا، رغم صعوبة ذلك، ولكنها الخطوة المهمة التي نبدأ فيها طريق الألف ميل، وهو طريق طويل وشاق، وتكثر فيه العراقيل والصعوبات. نعم، يجب أن نعرف جيداً «لماذا» نُريد ذلك التغيير الذي نُطارده منذ سنوات. فنحن نُريد أن نُغير وظيفتنا بأخرى براتب ومزايا أفضل، لأن تراكم الديون قد يُدمر حياتنا. ونحن نُريد أن نتخلص من الوزن الزائد، لأن ذلك قد يُباغتنا بأمراض مميتة. ونحن نُريد تغيير طريقتنا في النقاشات الملتهبة، لأننا يجب أن نُدرك بأن الكثير سيتجنب الحديث معنا. التغيير الذي نبحث عنه، قد يكون قريباً جداً، ولكنه يحتاج لإرادة حقيقية وصبر شديد، وقبل كل ذلك لبيئة مناسبة ولظروف مواتية.