منذ القدم والأمم تتفاخر بالكتب وتتباهى برونق المكتبات في أقاليمها، لما تحمله المكتبة من دلالة على المستوى الثقافي والعلمي والمعرفي لأهل ذلك البلد، في نجد، نجد أن أهل شقراء كان لهم قصب السبق في إنشاء أول مكتبة في إقليم الوشم، وكان للشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصين وابنيه الشيخ إبراهيم ومعالي الشيخ صالح يد طولى في إيجاد هذه المكتبة والتي كان لها الأثر الكبير في النهضة العلمية والثقافية على أهل المنطقة قاطبة، واليوم، نشهد في شقراء ذاتها نموذجاً رائعاً للاحتفاء بمكتبة قيمة، أوصى صاحبها أن تكون في شقراء. هذه المكتبة هي مكتبة معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر "البازي" - رحمه الله تعالى - كما لقبه بذلك فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان في ترجمته عن معاليه لشدة ملازمته لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وتكمن الميزة التفردية لهذه المكتبة أنها لعالم شغوف بالعلم منذ الصغر مما جعل فضيلة الشيخ إبراهيم بن سعد الصالح وكان عماً لوالدته يتعهده بالكتب النافعة، حينما وجد منه الإقبال على العلم والحفظ، فقد كان يحفظ في المرحلة الابتدائية كتاب "الكلم الطيب"، و"اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان"، ويكثر من مطالعة "رياض الصالحين"، وفي المرحلة المتوسطة والثانوية بدأ بالصحيحين (البخاري ومسلم) رحمهما الله، نتج عن ذلك وجود مكتبة تاريخية تراثية تضم أكثر من ثلاثين ألف عنوان، في علوم شتى وفنون مختلفة، وعدة أقسام تشمل: العقيدة والفرق والمذاهب، والقرآن الكريم وعلومه، والتفسير، والفقه، والتاريخ واللغة العربية، وعلومها، والدوريات والمجلات، وغيرها من الأقسام الأخرى. وقد كان الدكتور "البازي" - رحمه الله - من مؤرخي شقراء وأدبائها المبرزين ومن أصدق أبنائها البررة - وجميعهم بررة بها - كما وصفه بذلك معالي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع (عضو هيئة كبار العلماء)، وقال إن شقراء تعتز به وتفخر بانتسابه إليها، فهو رجل علم وصدق ووفاء، وقد ظهر ذلك للشيخ المنيع من قوة شعور الدكتور الشويعر، وارتباطه وانتمائه إلى بلدة شقراء، وأحاديثه المتعددة والتأليف عنها وعن تاريخها المجيد. وُلد الدكتور محمد بن سعد الشويعر "البازي" عام 1359ه في شقراء، وهو حاصل على دبلوم تربية من المركز الإقليمي لليونسكو ببيروت عام 1966م، ثم واصل دراسته العالية بمصر، وحصل على درجة الماجستير ثم الدكتوراه بمجال الأدب والنقد من جامعة الأزهر، وكان مستشاراً بمكتب الرئيس العام لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، بالإضافة إلى أنه رئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية. وحصل رحمه الله على جوائز مختلفة من المؤتمرات التي شارك بها، ودرعين من مؤتمر الشباب العربي في المغرب بالرياض، ومن مخيم الشباب الإسلامي بأستراليا، وميدالية من رعاية الشباب وأخرى من أسبوع الإخاء بالبحرين، أما مؤلفاته فحدث ولا حرج فقد كانت غزيرة جداً، ومنها كتاب "نبذة عن معالم النهضة العلمية والأدبية بشقراء حاضرة إقليم الوشم"، الذي يُعد تحفة تاريخية بحد ذاته، كما كتب عن "الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى مكانتها السياسية والتاريخية والحضارية"، وترجم لكثير من العلماء منهم: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله القرعاوي مجدد الدعوة في الجنوب، وحافظ الحكمي نابغة الجنوب، والشيخ محمد بن إبراهيم عالم الديار السعودية، والشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، وغيرهم، فضلاً عن كتبه الكثيرة في مناحي الاجتماع والأدب. تلك المكتبة القيمة التي تركها الدكتور محمد الشويعر -رحمه الله- تحتاج إلى عناية جيدة من الجيل الحالي، ففيها الكثير من تاريخ المملكة، كما تعكس عناية الدولة بالعلم والعلماء. فهل نرى هذه المكتبة القيمة، "مكتبة البازي" قريبًا في سوق المجلس والذي (بدأت تدب فيه الحياة بجهود بلدية شقراء ومحافظها ) وذلك بجانب مدرسة ابن حنطي، ودكان العابد الزاهد أبو الفقراء عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصين رئيس الحسبة وموثق وثائق اهالي الوشم، وعلى مقربة من دكان الجميح الذي يُعد نواتهم التجارية؛ فتصبح منظومة سياحية للزوار والمهتمين، وفق الرؤية المباركة "2030".