شكلت رواية "حيموت" للروائية والقاصة السعودية فاطمة الدوسري واحدة من الروايات الملفتة أدبيا، وهي رواية اجتماعية إنسانية صدرت عن مجموعة تكوين للطباعة والنشر. في مئة وتسع صفحات من القطع المتوسط تحكي الرواية قصة البطلة "حيموت" التي عاشت طفلة مدللة من أبيها وبعد وفاة أبيها لاقت من أخيها "صايل" الاستبداد الذي هربت منه لتكمل دراستها وتنال الدكتوراة في الكيمياء، حيث تصف الحياة البدوية والعلاقات الاجتماعية التي عاشت بها، لتنتقل إلى الحياة المدنية بعلاقاتها المتشعبة. وتركز الرواية على المرأة وقوتها ومعاناتها وقدرتها على خلق حياة مغايرة. وعند عتبة العنوان بوصفه نافذة للدخول إلى عوالم النص الداخلية ومضامين رسالته نلحظ أنه مأخوذ من اسم بطلة القصة "حيموت" وهو مركب " حي + موت" يعكس قوة الشخصية ومقاومة الموت وخلق الحياة برغم الصعاب والعراقيل رغم الظروف والوحدة والضعف. أما شخصيات الرواية فقد رسمت بإتقان وتوازن ليحدث الصراع والتأثير من ذلك الاختيار حيث جاءت الشخصية القوية والمدللة والتي اكتسبت الصفات القيادية من أبيها شيخ القبيلة، وهي شخصية مثابرة مكافحة ومؤثرة فيمن حولها ولا تستسلم للعقبات والصعاب ولا للعواطف. وإذا كانت شخصية "حيموت" مازالت بين الموت والحياة فإنها ببلوغها أهدافها عبر إرادتها تحقق انتهاء الموت لتتحول إلى حياة، فإن ذلك التحول خلق الصراع والتغيير والثبات، وفي نفس الوقت شخصية "حيموت" ليست فقط حكائية، بل نقلت الأبعاد النفسية لها وللمجتمع والمرأة من خلال شخصية "صايل وشيفعان" اللتين ولدتا صراعا من حيث التناقض مع شخصية الأب وشخصية "محسن" وقوة إرادة من البطلة في التحرر من تلك الشخصيتين اللتين كانتا رمزا للاستبداد والتسلط على المرأة التي يرون أنها ضعيفة، وهو ما يعكس التخلف والوجه القبيح والمتخلف والمرعب أحياناً لهذه الشخصيات. وتأتي شخصية "شيفعان" وهو الشخصية المستبدة التي تستبد بما تمتلك، وتلتقي بصايل بلعبة المصالح، حيث أنه لا يقدر القيم ولا يقدر إنسانية الإنسان، لتبرز من ثم شخصية "محسن" الشخصية المعتدلة التي تضحي من أجل الآخرين وتعمل على تنفيذ وصية الأب. أما الأبعاد المكانية والزمانية فقد جاءت بشكل مؤثر كي تعكس صورة عامة عن الشخصيات وكي تصور المجتمع والإنسان وتدعم فكرة الرواية في قدرة المرأة على تخطي الصعاب والعمل على التغير والتحول والتأثير والمواكبة مع الجديد لتصل إلى أعلى المستويات مع التمسك بالأصيل وبالعادات والجذور لتعكس صورة للمرأة المعتدلة. معظم أحداث الرواية كانت تجري في الغالب في المكان الصغير المغلق "بيت الشعر، الخيام" أو في فضاء البادية المكان المفتوح لتنتقل من الخيمة وبيت الشعر إلى "بيت الطين الصغير" في فضاء المدينة التي مثلت العلاقات الاجتماعية المتزنة والعلاقات المترابطة بالحب وهي مكان الانطلاق وتحقيق الذات وفيها العواطف الصادقة والعلاقات الاجتماعية المتينة والمتشعبة حيث يتكشف ذلك من خلال علاقة أسرة "حيموت" بسليمان وأسرته. وقد جسدت الكاتبة حجم انتمائها لبنات جنسها من خلال تقديمها لشخصية المرأة، فهي امرأة اهتمت بتسجيل أحاسيس النساء وعبرت عنهن، وبذلك عكست المضامين السردية من خلال تسليط الضوء على المرأة أنها تحولت من الاستبداد والتخلف إلى الانطلاق والحرية المتزنة ومن التضييق إلى الفضاء الرحب، فأصبحت فاعلة مؤثرة لها شبكة من العلاقات المتوازنة والمؤثرة وهو من أهداف التعليم واللافت في الخطاب السردي. أيضا الخطاب الروائي عرض الفوارق الاجتماعية بين أهل الريف والمدينة فأهل البادية متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم ولم تتمكن المدنية من تذويبهم فيها، حيث يتضح ذلك من خلال رفض "سراء" زواج ابنتها من سليمان بسبب تأصل البادية في أعماقهم وإن كان ذلك ينم على ولاء وانتماء للمكان. استطاعت الرواية أن تمثل سيرة ذاتية فيها المصداقية والحبكة الفنية التي تجعل المتلقي يظن إن كاتبة الرواية هي بطلة القصة، وبلا تكلف جاء الخط السردي بلغة مؤثرة حيث جعلت من المتلقي قادراً على المساهمة في رسم بيئة وشخصيات وأحداث العمل. ما يمكن أن يؤخذ على الرواية صوت الراوي الواحد من أول الرواية بلا تحولات وتنقلات بين الماضي والحاضر إلا ما ندر، حيث سارت بمسار واحد من أول الرواية حتى نهايتها، إضافة إلى أن العناوين الفرعية في صفحات الرواية أثرت على سير وتسلسل أحداث الرواية، وكانت لا تخلو من كشف أحداث الرواية قبل الوصول إليها في بعض المشاهد السردية، لكن هذا كله لا يقلل من تميز هذه الرواية ومقدرة كاتبتها على خلق صراع وتناقضات تم كشفها في شخصيات أبطالها. * كاتب وناقد غلاف الرواية