الصمت كلمات بحر لم تجد طريقها إلى شفاه الينابيع، لأنها قذفت صوته الهادر، تريد زبده، زبدة قلبه وصفاء روحه، لأن صفاء الروح هي الكلمات الجميلة التي لبست قوس قزح، وصارت ألوانا تتكلم لغة الفصول دون أن تحرك شفاها، وتعبر كل ما فيها عن الكائنات وعن البحر والظلمات. لم لا يكلمني إلا الصمت، هذا اللسان الذي لا يهدأ، ولا يكل، ولا يتوقف عن الكلام، يصرخ في أعماقه دون أن يُسمع صوته، وما لي أكلم ذاتي بالأفكار؟ أفكاري العظيمة التي أفقدتني حب الأعظم. لا يريد أحد أن يشرب من نهري، ويأكل من بحري، يظن الناس أن البحر منعتق من جراح الأرض، البحر ليس حرا منعتقا من آلامه، بل هو أمثولة الجراح التي تشق في الأرض أثلامها، لأن البحر لا ينسى لأن فيه تسقط كل شمس غاربة، فالبحر مجمع آلام الأرض، كل آلامنا تسقط في البحر. ذهبت استحم في نهر اللوتس الأزرق الذي نزلت السماء ورقت فيه ولا تريد أن تطلع ثانية، فأجمل مرقد للسماء القلوب وأعماق السكينة، فوجدت أن الحياة من دون الحب موت مقنع، الحياة بدون الحب كالقبور التي نبت فوقها العشب، الحياة بدون الحب كأجسادنا التي تغدو دود الأرض، كشرنقة طارت منها الفراشة، كعصفور يغني رحيل الربيع، كريح خريفية تغني رحيل الأجنحة. الصمت هو لغة الوجود التي تعبر عن كل شيء دون أن تقول شيئا، وبحر من المعاني المتداخلة التي تعبر عن وجعنا وفرحنا، ولغة الصمت تعبر في جوهرها عن تجارب ذاتية محضة، ثم يحاول الإحاطة بالمعاني التي تحملها الصورة، من خلال كونها رسالة صامتة، فالصمت صورة عاكسة للواقع الإنساني. قال لي صباح مشمس: «مهما حدث في حياتك، ومهما بدأت الأشياء مزعجة، فلا تدخل ربوع اليأس، وحتى لو ظلت جميع الأبواب موصدة، فإن الله سيفتح لك دربا جديدا».