قبل نحو 14 عاما، مديرها البريطاني استغرب من قرار عودتها إلى السعودية، والعمل هناك في مقر البنك، وهو يدرك قلة الفرص أمام العناصر النسائية، رغم أن البنوك آنذاك تعتبر متقدمة كبيئات عمل على غيرها، لكنها أصرت على العودة إلى الوطن - مستغربة من استغرابه - لتواصل العمل هنا وفي البنك نفسه، وتصبح من السيدات القلائل في كيان يعج بالرجال. ذات يوم، حدثت ربكة في العمل، فتساءلت عما يجري، وسرعان ما طلب منها ومن زميلاتها الاختفاء والتواري عن الأنظار، فهرعوا إلى غرفة وإذ هي «مستودع» ترمى فيه الأجهزة القديمة، واختبؤوا هناك حتى انتهاء الجولة التفتيشية، خرجت والتساؤلات في ذهنها: ما المعيب من وجودنا في العمل نحن الموظفات؟ هذه هي القصة التي كانت سمو الأميرة هيفاء بنت محمد، نائب وزير السياحة، ترويها وهي تضحك في منتصف أبريل (رمضان) الماضي لبرنامج «وعد» الذي عرض على شاشة (MBC). أقل من عقدين من الزمان تفصل بين وقوع القصة وروايتها، تحمل في طياتها تحولات جذرية طرأت على ثقافة وطبيعة بيئات العمل لدينا، فمن بيئات العمل المعزولة (بمداخل ومصاعد منفصلة) إلى بيئات مختلطة تضم الرجال والنساء ممن يعملون على أساس الند للند. في الفترة التي عادت فيها سمو الأميرة إلى أرض الوطن، كانت معظم الفرص المتاحة أمام السيدات في قطاعي التعليم والصحة، وكانت مبادرات عمل المرأة في غير هذين القطاعين تواجه مقاومة من بعض فئات المجتمع، ومن تلك المبادرات كانت تأنيث المحلات النسائية (نساء يبعن لنساء ومع ذلك البعض كان يهاجم الفكرة!)، وفتح المجال أمام السيدات للعمل «كاشيرات»، ورغم أن هذه الفرص شريفة، إلا أنها قوبلت بحملات شرسة من الفئة المتزمتة، حتى أن إحدى جامعاتنا أجازت في عام 2013 دراسة مضمونها أن عمل المرأة «كاشيرة» يعد اتجارا بالبشر، وفقا لما نشرته صحيفة «الحياة» في ذلك الوقت! الحمد لله، أسهمت التحولات الثقافية والاجتماعية التي حدثت في مجتمعنا السعودي في تطبيق مفهوم «تمكين المرأة» بما يتوازى مع رؤية المملكة 2030، وبذلك يتلاشى التمييز ضد المرأة في بيئات العمل، لتصبح معظم الفرص متاحة لها، بطبيعتها الإدارية والفنية، تعمل في ظل حماية قانونية تحظر أشكال التمييز، سواء أثناء العمل أو عند التوظيف أو الإعلان عنه. من جانب آخر، ربما لم يتهيأ البعض للتعامل مع الزميلات في بيئات العمل المختلطة، وهو الذي قضى جل خدمته مع زملاء عمل، فما يظن إنه مسموح مع «الزملاء» هو خط أحمر مع «الزميلات»، لا من حيث نوعية الأحاديث الخاصة أو حتى المزاح. لذا، من المهم أن يتعلم البعض «أصول» التعامل والتواصل مع الزميلات، وضرورة وضع حدود بينه وبينهن تبقى في الإطار المهني، وعدم التدخل في حياتهن الخاصة، أو التواصل لغير أغراض العمل - الطارئ وليس الاعتيادي حتى - بعد انتهاء ساعات الدوام. بيئات العمل - في أي مكان أو زمان - هي نسخ مصغرة لما يدور في «المجتمع»، علينا أن نتعامل مع الحاضر ونستعد للمستقبل مع الاستفادة من دروس الماضي!