ربما كانت قضية توظيف سيدات على صناديق المحاسبة «كاشيرات»، في بعض الأسواق في مدينة جدة، من أكثر المواضيع جدلاً في ما يتعلق بحياة المرأة خلال الفترة الماضية في السعودية. انقسام مجتمعي على الظاهرة، واكبه ظهور فتاوى بتحريم عمل المرأة في هذه الوظيفة من اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، وتبعهما ردود فعل واختلاف فقهي، وهو ما بعث القلق لدى من يعملن في هذه المهنة، خوفاً من التعرض للتسريح، وانقطاع نافذة الرزق التي فُتحت لهن، خصوصاً أن بعضهّن كن ولا يزلن في أمس الحاجة لهذه الوظيفة وعائدها المادي. لكن على رغم تلك المعارضة استمرت إدارات الأسواق في توظيف نساء في وظيفة «كاشيرة»، خصوصاً بعد تأكيد وزير العمل السعودي عادل فقيه أن عمل المرأة «حق مكفول لها في ظل تعاليم الشريعة الإسلامية وهو ما تسعى إلى ترسيخه رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز المتمثلة في إتاحة الفرص المناسبة للمرأة السعودية ومشاركتها في مجالات التنمية المختلفة». وأشار فقيه إلى ضرورة وجود البيئة الملائمة لعمل المرأة، التي من شأنها أن تصون كرامتها وتحفظها من الاستغلال والامتهان في محاولتها لكسب عيشها من طريق العمل الشريف. واعتبر فقيه في حديث مع «الحياة» كل ما صدر قديماً ويصدر حديثاً في موضوع عمل المرأة من فتاوى بالإباحة تارة وبالمنع تارة أخرى إنما هو متعلق بظروف بيئة العمل. وأكد أن الوزارة تعمل لضبطه، ليس على المستوى التنظيمي فقط، وإنما على المستوى التطبيقي والرقابي أيضاً، بصفتها صاحبة الاختصاص في تطبيق ضوابط تشغيل النساء بمقتضى قرار مجلس الوزراء 187 الصادر في عام 1426 ه والذي ينص في بنده الثالث على «أن وزارة العمل هي الجهة صاحبة الاختصاص في تطبيق ضوابط تشغيل النساء كأجيرات لدى أصحاب العمل باعتبارها الجهة المعنية بتطبيق نظام العمل». وقال إن الآليات الرقابية التي تسعى الوزارة إلى تفعيلها على أرض الواقع «ستحول دون ظهور المحظورات الشرعية في بيئة العمل مثل التزاحم الجسدي بين الرجال والنساء أو عمل المرأة في محل متخصص للشباب وغير ذلك من المحظورات الشرعية». وتابع: «كما ستحول أيضاً دون وجود أسئلة افتراضية قد لا يكون لها في أرض الواقع نصيب». وشدّد على أنه سيكون في صلب عمل الوزارة التنسيق مع الجهات المختصة لمعاقبة كل من يخالف الأنظمة المشار إليها، ممّا يؤدي إلى امتهان المرأة العاملة أو استغلالها بأي وجه من الوجوه بالعقوبات الرادعة له والزاجرة لغيره عن ارتكاب أخرى. وكان عضو منظمة العمل الدولية الدكتور عبدالله دحلان طالب معارضي عمل المرأة بإيجاد بدائل وظيفية للمرأة ومجالات أخرى، وقال: «إن معارضي عمل المرأة على صناديق المحاسبة هم فئة محدودة وقليلة جداً ولا تمثل آراء ال 16 مليون سعودي الآخرين»، لافتاً إلى أن «المعارضين لعمل المرأة يعارضون للاعتراض خصوصاً أنه لا توجد قواعد يرتكزون إليها في النظام السعودي للعمل أو الشريعة الإسلامية». وأكد أن النظام السعودي يعطي المرأة الحق في العمل ولا توجد مادة في النظام تمنعها من مزاولة تلك الأعمال إضافة إلى أن الشريعة الإسلامية تمنحها الحق ذاته، لافتاً إلى أن هنالك شريحة كبيرة من المجتمع السعودي تؤيد عمل المرأة بما يتلاءم مع طبيعتها وخصوصيتها. وعن تجربة عمل المرأة «كاشيرة»، قال المدير الإداري لإحدى شركات بيع التجزئة ان الشركة لمست تأييداً من شريحة كبيرة من المجتمع، خصوصاً السيدات. وقال: «سجلنا عدداً كبيراً من ردود الأفعال الإيجابية وبخاصة من السيدات اللواتي يتسوقن، إذ أبدين إعجابهن بالتجربة التي أتاحت لهن فرصة التعامل بسهولة ومن دون تكلف». وكان استفتاء أجرته «الحياة» على موقعها الإلكتروني، شارك فيه أكثر من 800 شخص، أظهر أن 60 في المئة من المصوتين أيدوا عمل المرأة «كاشيرة» في المحال التجارية، فيما اشترط 20 في المئة عملها ضمن ضوابط.