في الغالب ما تكون الصورة الشعرية مؤطرة برؤى الشاعر وحدسه باللغة وتجلياته الاستثنائية في مسار الشعور ومن الطبيعي أن الحدس المتجاذب مع وحي الروح يجانس الأخيلة المنهمرة في الذات ويؤطر الشغف الكامن في الأعماق إذ تستقيم التخيلات بمدلولاتها المدركة من خلال الذات وتبنى القيم المرئية للتصور مقام الشعور. وإذا كانت الإيحاءات المرئية في القصيدة تبنى على أساس اللاوعي المخفي وتتقمص شتى المدركات التعبيرية فإنها في الوقت نفسه تستشرف حدس الشعور وتبوح بالمنطوق من خلال الإشارات والرموز الدلالية المكيفة مع الذات. وفي وقفتنا هذه نتلمس جانبا من الاستشراف المرئي لوحي الذات المنهمر من عوالم روحية تكافئ المد الإيحائي للنفس والضمير من خلال تأملنا في دواوين الشاعر الحسين النجمي الذي يتجاوز بقصائده الإيحاءات المبهمة متوغلا في حدس الشعور ومكيفا وقفاته التأملية مع الأشياء باستثناءات تجعل منه شاعر وحي روحي مفعم بضمير الكينونة مناغما الشجى الروحي والعاطفي مستأثرا بحلول الذات في مبهمات الشجن والحنين. ففي دواوين الشاعر الحسين النجمي تبرز المخيلة كعامل مؤثر على مد الشعور باستقصاء تام للمرئيات والذات الموغلة في الشعور ما جعل من إبداعه الشعري مميزا من ناحيتين: الأولى التقابل اللامرئي لمبهمات التصور التي يستقي منها الشاعر فيضه الوجداني ويتمثل عوالم مخفية مبهمة توغل في مد الذات وتسرب وعيا خفيا في المدرك التمثيلي الذي يستقي من حدس الزمن ماهيته المطلقة وكينونته المبهمة في سياقات أثيرية تجعل من الوعي قائما بتصوراته اللامتناهية في مسارات الشعور والإحساس. والثانية تكييف المدلولات المرئية مع الذات المنوط بها التخييل من حيث هي حدس مرئي يستقل بالتصور الكامن في الذات تؤلف رؤى يقينية تستشرف آفاقا لا متناهية من المثل والأحاسيس التي يتوجها الشاعر بمكنونه التخيلي تتحدر من مشارف الإشراق البديع منسجمة مع وقع الذات والضمير. وقصائد الشاعر في دواوينه المختلفة تحور الذات إلى إيحاءات مرئية تتجاوز الدلالات المبهمة وتوغل بالمدرك التمثيلي الذي يستعير له الشاعر دلالات ورموز مخفية عن الواقع مستعيضا بالتكافؤ المتباين كمنطوق مجازي يحلل الوعي مستعيرا المنطوق الإيحائي المكافئ للشعور، من هذه الدواوين ديوانه (تأملات على مرافئ الغربة) الذي تستجلي قصائده الشعور المبطن في اللاوعي وتستقصي إلى حد بعيد المدرك التمثيلي في حيز الزمن إذ يباشر الشاعر المدركات التصويرية ويناظر الملفوظ المتسرب في الذات كحد من حدود الشعور إذ تتكيف معمولات المطلق الضمني مع إيحاء الشعور من منظور الوعي القائم بالذات وتتسرب المبهمات المخفية في الوعي إلى تمثيل مبطن يشافه المرئيات المدركة القائمة على التصور المجازي الذي يستدل عليه، بالإشارات والرموز المستقصية إغراق الذات. وجميع قصائد الديوان تحيل الملفوظ المبهم إلى إيحاء مرئي تباشر بمعمولاته المنطق المتماثل مع الوعي إذ أن مدلولات الشعور في قصائد الديوان يتواءم بينها الفيض الوجداني مع مدركات لا حصر لها من التصور ذلك أن الشاعر يجلي مبهمات الحقائق ويغوص في أعماق الذات متناغما مع الوقع الحدسي للشعور إذ تتكافأ مبهمات التخييل مع مدلولات الذات بحيث تتحور المجازات الضمنية إلى منطق معمول به في الإدراك. وفي قصيدة (تأملات على مرفأ الصمت) فتقام العلاقة بين الذات والضمير من مدلول الاستدلال اللامرئي المبهم الذي يصور الحقائق على إنها إدراك يتسرب إلى الوعي ويبطن الاستشعارات المرئية ويوائم بين الضمني من الحدس وبين معمول الوعي القائم في الذات وهنا إشارة واحية للمدرك التخيلي الذي يترقى إلى مشارف الروح حيث يقول في القصيدة: وحيدا على مرفأ الصمت أنظر نحو البعيد أراقب جيشا من العتمة القزحية تبحر خلف السراب تسافر عبر المسافات عبر الحدود الملم حلم الخرافة وهو يغذي المسير إلى ما وراء المحال وعبر دروب الجمال فيسكت عند التقاء الحقيقة بالوهم والشمس.. بالليل كل سؤال فالشاعر يستمد من المدركات الوجدانية إمكانية خلود الذات المتمثلة بالروح إذ يستعيض بالدلالة الشعورية عن المنظور المجازي للروح ويمثل اليقين المبهم على إنه تمثيل يترقى به الشاعر إلى درجات رفيعة من الإيحاء وعلى هذا يعتمد الشاعر الدلالة التصويرية بدلا من المجاز الضمني للبوح. ويعتبر الشاعر الحسين النجمي واحدا من الشعراء الذين أسهموا في الحراك الثقافي في المملكة ويمتاز شعره بلغته القوية وبلاغة تصويراته المجازية ومدركاته الواسعة التي تمثل مده الشعوري وبيانه الممتع.