لكل كاتب، مهما كان حجمه، أفكاره ومواضيعه التي يعشق الكتابة عنها، بل ويضعها دائماً في سلم أولوياته واختياراته، لأنها قد تكون منسجمة أو متوافقة مع رغباته وقناعاته، أو لأنها قد تستفز مصادر ومكامن قلقه وتمرده، ومهما حاول الكاتب أن يُبعدها عن أوراقه البيضاء إلا أنها تحضر وبقوة في مقالاته وكتاباته. القراءة بمختلف أشكالها ومستوياتها ووظائفها، كانت ومازالت وستبقى من المواضيع والمواد المحببة التي لا أملّ من الكتابة عنها، فهي فكرة لا تنتهي ومعين لا ينضب، وهي أشبه ببئر من الدهشة التي تنتظرك كلما حفرت في أعماق جوفه. بشيء من الاختصار والاختزال، سأرصد أهم سبع وظائف للقراءة، بشكل متصاعد، تبدأ من الأبسط ثم الأعمق لتنتهي بالأخطر، وذلك بحسب أهميتها وقيمتها وتأثيرها: الوظيفة الأولى: وهي التي تمحو عن صاحبها الأمية وتُقرر قبوله في تعداد القادرين على القراءة والكتابة. المساعدة في الهروب من شبح الأمية الذي يُطارد الملايين، هي الوظيفة الأولى للقراءة والتي لا يوجد وظيفة أقل أو أبسط منها. الوظيفة الثانية: وهي التي تمنح صاحبها القدرة على فهم ما يقرأ من نصوص، هل هي شعر أم نثر وهكذا؟ هي وظيفة استدلالية بشكلها المعرفي البسيط، ليعرف القارئ -مجرد المعرفة- ماذا يقرأ. الوظيفة الثالثة: وهي التي تُمكّن القارئ من اتخاذ بعض الآراء والقرارات فيما يقرأ، سواء كانت مع أو ضد الكاتب. هي وظيفة متقدمة نوعاً ما، تؤهل صاحبها لإبداء رأيه وعمل فكره فيما يقرأ. الوظيفة الرابعة: وهي التي تسمح لصاحبها ممارسة النقد حول ما يقرأ، وتجعله قادراً على معرفة ملامح وتفاصيل النص الذي أمامه. هي وظيفة نقدية تُسلّح القارئ ببعض الأدوات والقدرات والملكات ليستطيع تكوين حالة من الفهم العميق للنص الذي يقرأه. الوظيفة الخامسة: وهي ضخ حالة من الذكاء والوعي في فكر ومزاج القارئ، الأمر الذي يؤهله لاكتشاف واستنتاج الأهداف والمعاني المتوارية والموازية للنص. هي وظيفة متطورة وديناميكية همّها قراءة ما بين السطور. الوظيفة السادسة: وهي التي تُحرّض صاحبها على التمرد والعصيان على ما يقرأ، سواء بالرفض أو الإنكار. وظيفة معقدة ومرهقة، تختار أصحابها بعناية وحذر، لأنها وظيفة متطلبة ومتحفزة على الدوام. الوظيفة السابعة: وهي الوظيفة الأهم والأخطر على الإطلاق، فهي تُساعد القراء على حل مشكلاتهم المعقدة وتجاوز أزماتهم المزمنة. وظيفة عليا لا يقدر عليها إلا من يملك سيرة ذاتية CV من المهارات والمؤهلات والقدرات. هي وظيفة دقيقة وحساسة، قد تمنح صاحبها السعادة والرضا.