أعتقد أن موسوليني كان سياسيًّا جيدًا، وهذا يعني أن كل ما فعله قد فعله من أجل إيطاليا، لدي علاقة هادئة مع الفاشية، فأنا أعدّها فصلًا من تاريخنا الوطني. هذا هو رأي جورجيا ميلوني في موسوليني، حيث أصبحت أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا بعد فوز حزب فراتيلي ديتاليا (إخوة ايطاليا) وأيضا أول يمينية متطرف تقود إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية. ميلوني قادمة وميلوني البالغة من العمر 45 عاما والتي أدت اليمين الدستورية بعد تشكيلها الحكومة، عرفت كصحفية وسياسية وكانت عضوة بمجلس النواب عام 2006، وأصغر وزيرة في تاريخ الجمهورية عندما تم تعيينها في الثامن من مايو 2008 وزيرة للشباب في حكومة سلفيو برلسكوني الرابعة (2008-2011). إخوة إيطاليا وحقق اليمين المتطرف الإيطالي نصرا تاريخيا في الانتخابات التشريعية مؤخرا، ما مكن ميلوني ذي الجذور الفاشية أول امرأة تتولى رئاسة حكومة يمينية متشددة غير مسبوقة، حيث اتحدت مع زعيم حزب فورتسا إيطاليا برلسكوني، وزعيم حزب العصبة ماتيو سالفيني لتشكيل الحكومة الجديدة. أوروبا والمرحلة الحرجة ويأتي تقلد ميلوني السلطة، بينما تمر أوروبا بمرحلة حرجة، ولا سيما العقوبات المفروضة على روسيا، والتي أدت إلى تفاقم الضغوط الناتجة عن التضخم الاقتصادي. المخاوف الرئيسة للإيطاليين وتعي ميلوني جيدا أن المخاوف الرئيسة للإيطاليين تنصب حول الارتفاع الهائل في تكلفة المعيشة، والزيادة المستمرة في أسعار الطاقة. وقد تضررت إيطاليا بشكل خاص لأنها كانت تعتمد بشكل كبير على إمدادات الغاز الروسي. مثيرة للجدل وتعرف زعيمة حزب إخوة إيطاليا اليميني المتطرف، بتصريحاتها ومواقفها المثيرة للجدل عن العقيدة والمثليين والفاشية. وستكون أول مهمة لميلوني هي مساعدة الإيطاليين في تحمل تكاليف الطاقة الجنونية. طمأنة الغرب وسعت ميلوني إلى طمأنة حلفاء إيطاليا الغربيين بأنه لن يتغير أي شيء، حيث أثار صعود اليمين في إيطاليا، قلق الأوروبيين الذين يسألون عن الخطوة التالية، معتبرين أن تحالف اليمين المتطرف مع القوى المحافظة في إيطاليا هو في طريقه إلى إحداث زلزال سياسي في أوروبا. ترقب العواصم الأوروبية كما تترقب العواصم الأوروبية وأسواق المال بقلق ما يحدث بإيطاليا في ظل الرغبة في الحفاظ على الوحدة في مواجهة روسيا، والمخاوف من الديون الإيطالية الهائلة. واستطاعت ميلوني تحويل نسبة هزيلة جداً حصل عليها حزبها في الانتخابات الماضية إلى فوز ساحق، باستقطاب الكثير من الإيطاليين المستائين والغاضبين مما اعتبروها إملاءات من الاتحاد الأوروبي، وكذلك بسبب غلاء المعيشة وأفق الشباب المسدود معلنة أهدافها التي تنص على إغلاق الحدود الإيطالية وإعادة التفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية، ومحاربة "مجموعة الضغط لمجتمع المثليين". أزمات تراكمية ويقول خبراء إيطاليون إن انتصار اليمين المتطرف بإيطاليا، كان متوقعا تماما في ظل الأزمات والسياسات الاقتصادية وحالة الغضب الشعبي في الداخل وعموم أوروبا، لكن المهم هنا ملاحظة أن هذه النتائج لا تعني توجها نحو عودة الفاشية، بل هي تعبير عن تصويت عقابي من الإيطاليين للأحزاب التقليدية التي حكمت إيطاليا خلال السنوات الأخيرة ولم تتمكن خلالها من إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة. الحضور في الأوساط اليمينية ولدت ميلوني في روما عام 1977 وهي ابنة بيئة متواضعة، في بلاد عادة ما تتحكم فيها العائلات الكبرى، ربّتها أمها وحدها في حي للطبقة العاملة بالعاصمة الإيطالية بعد أن تخلى عنهما والدها فور ولادتها، فكبرت ونشطت في صفوف الجمعيات الطلابية اليمينية، وعملت مربية أطفال ونادلة، وفي أواسط التسعينات ترأست جمعية في المدارس الثانوية، ورسّخت حضورها في الأوساط الشبابية المتشددة، وهذا يفسّر ازدحام مكتبها بالتماثيل الصغيرة وصورة البابا يوحنا بولس مع الأم تيريزا. وفازت ميلوني في أول انتخابات محلية وهي في سن 21 ومكنتها قدراتها البلاغية من لفت انتباه وسائل الإعلام والبرامج الحوارية، فباتت ملهمة لجيل الشباب الذي افتقد لامرأة قيادية لفترات طويلة. المبالغة في تقدير حزبها وتبالغ ميلوني في تقدير حزبها، حين تحاول مقارنته بالحزب الجمهوري الأميركي وحزب المحافظين البريطاني، حيث تُقدر الوطنية والقيم العائلية التقليدية، ويبدو هذا امتيازاً لها بين الساسة الإيطاليين، فقد ألقت خطاباً باللغة الإسبانية في يونيو الماضي، كانت صريحة فيه هذه المرة أكثر من ذي قبل، حين قالت لمناصري حزب فوكس اليميني الإسباني "نعم للأسر الطبيعية، لا لجماعات الضغط المثلية، نعم للهوية الجنسية، لا للأيديولوجيا القائمة على النوع، نعم لثقافة الحياة، لا للسقوط في هاوية الموت، نعم للحدود الآمنة، لا للهجرة الجماعية، نعم للعمل من أجل شعبنا، لا للتمويل الدولي الكبير". تحديات تراكمية وستجد ميلوني نفسها أمام تحديات داخلية كبيرة، أبرزها ارتفاع الأسعار ودين يمثل 150 % من إجمالي ناتج إيطاليا المحلي. وبحسب الخبراء، فان سر نجاح ميلوني يكمن في قيمة حداثتها في عالم السياسة الإيطالية القديم الذي دائما ما هيمن عليه الرجال، إضافة إلى تمسكها الراسخ بمواقفها، وحذرها الشديد، حين حثت حلفاءها على عدم تقديم تعهدات لا يمكنهم الوفاء بها ووعدت بأن تكون أمينة على إدارة الحسابات العامة الهشة في إيطاليا. تراكمات سياسية وطمأنت المؤسسة الإيطالية برسالة قوية مؤيدة للغرب، تعهدت فيها بزيادة الإنفاق الدفاعي والوقوف فيوجه روسيا والصين. ونددت ميلوني بالغزو الروسي لأوكرانيا منذ اليوم الأول، وشجعت رسائلها شديدة اللهجة الصحف الإيطالية على المقارنة بينها وبين رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر، صاحبة اللقب الشهير "المرأة الحديدية"، ومثلما حطمت ثاتشر الحاجز غير المرئي الذي يعيق تقدم النساء في بريطانيا لتتولى منصبا رفيع المستوى قبل 43 عاما، فعلت ميلوني الأمر ذاته. وسوف تكون حكومة ميلوني أكثر حكومة إيطالية تجنح صوب اليمين منذ الحرب العالمية الثانية. اليمين في السويد ويأتي تقلد ميلوني بعد وقت قصير من انتخابات السويد التي أدت إلى أن أصبح حزب ديمقراطيي السويد -الذي تعود أصوله إلى الحركة النازية الجديدة- ثاني أكبر حزب في البلاد. كما أحرزت مارينلوبان زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني نتائج مبهرة في الانتخابات البرلمانية الفرنسية التي أجريت في صيف هذا العام. ويخشى حلفاء إيطاليا بحلف الناتو من أن تؤدي الضغوط الشعبية الإيطالية خلال ما يُتوقع أن يكون شتاء قاسيا إلى إقناع ميلوني بالانسحاب من العقوبات التي يفرضها الحلف على موسكو والتراجع عن الموقف الصارم معها بسبب غزوها لأوكرانيا. تحالف مع برلسكوني وما يضيف إلى تعقيدات الموقف هو أن الشريكين اللذين دخلت ميلوني في تحالف معهما -الملياردير سيلفيو برلسكوني والسياسي الشعبوي المعادي للهجرة ماتيو سالفيني- تربطهما علاقات تاريخية بالرئيس الروسي بوتين، في حين أن ميلوني تنظر إلى نفسها على أنها مؤيدة لكل من أوروبا الغربية والولايات المتحدة. الجاذبية والتألق وتهافتت وسائل الإعلام على ميلوني لسنوات بحكم خطابها القوي في مجتمع سياسي ذكوري، لم يتعوّد على رؤية امرأة شقراء ذات توجهات يمينية متطرفة بهذا القدر من الأفكار، والتي تدافع عنها بقوة أمام الجمهور في كل مرة أتيحت لها فرصة ذلك، تبدو ميلوني واعية بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها بترؤسها الحكومة الجديدة. فزعيمة إخوة إيطاليا وحلفاؤها يواجهون تحديات معقدة؛ على رأسها ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا والتباطؤ الاقتصادي الذي تشهده البلاد خلال السنوات الأخيرة، علما أن إيطاليا تشكل ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا وفرنسا. التخوف من صعود اليمين وفيما يتخوف المراقبون أن ثمة خطر باتجاه صعود اليمين المتطرف في عموم أوروبا جراء ما حدث بإيطاليا، إلا أن البعض لا يرى خطرا كبيرا وداهما، حيث إن الحركات اليمينية المتطرفة تصاعدت بأوروبا في عام 2016 جراء موجات الهجرة الكبيرة في عام 2015، لكنها سرعان ما تراجعت بعد ذلك، فمثلا حزب البديل صعد حينها في ألمانيا بل ووصل اليمين المتطرف للسلطة في النمسا حينها وخرج منها بفضيحة، ولهذا فلا يمكن اعتبار ما يحصل في إيطاليا هذه نقطة فارقة في أوروبا فضلا عن كون رئيسة الحزب يمينية، بيد أنه لا يمكن وصفها باليمينية المتطرفة وهي بادرت قبل الانتخابات بتوضيح مواقفها وسياساتها من مختلف الملفات الخارجية الداعمة لسياسات الاتحاد الأوروبي ووحدته، ودعم حلف الناتو وعضوية بلادها فيه، ودعم الموقف الغربي العام من روسيا والأزمة الأوكرانية، ويمنح الفوز الكبير للتحالف إيطاليا فرصة نادرة للاستقرار السياسي بعد سنوات من الاضطرابات والتحالفات الهشة. فخ التصنيفات ويمثل النجاح الذي حققه تحالف اليمين الأقصى تغييراً هائلاً في إيطاليا، العضو المؤسس للاتحاد الأوروبي. ويحذر مراقبون في ذات الوقت من الوقوع في فخ التصنيفات النمطية لليمين الإيطالي والأوروبي عامة، مستبعدين اعتبار عودة اليمين بمثابة بداية عودة للنزعة الفاشية لإيطاليا كون العالم تغير. لا للخوف ويرى محللون في هذا النصر التاريخي لليمين الإيطالي الجديد عقابا للأحزاب الكلاسيكية، أكثر منه اقتناعا بتوجهات وأفكار اليمين المتشدد، فيما يرى آخرون أنه لا ينبغي الاستهانة بالخلفيات الفاشية للحزب الفائز، وأنه مؤشر واقعي على أن قاعدة قوى اليمين المتشدد عريضة في الشارع الإيطالي. وتقول صحيفة وول ستريت جورنال، إن ميلوني ستواجه التحدي المتمثل في طمأنة الاتحاد الأوروبي -الذي انتقدته سابقاً على أنه يتدخل في الشؤون الوطنية، ويقوض الهوية الإيطالية- بأنها لن تكون قوة مزعزعة للاستقرار في الكتلة الأوروبية. لكن ميلوني، عملت جاهدة لإقناع شركاء الاتحاد الأوروبي والأسواق المالية بأنها لن تزعزع الاستقرار الاقتصادي لإيطاليا والكتلة الأوروبية، حيث تترك ديون إيطاليا المرتفعة والنمو الضعيف ائتلاف ميلوني نطاقاً محدوداً لأجندته الخاصة بخفض الضرائب. أزمة الطاقة وفي الوقت نفسه، فإن الحاجة إلى التعاون الوثيق مع الاتحاد الأوروبي لمعالجة أزمة الطاقة في المنطقة والاقتراب من الركود، ستجعل من الصعب على ميلوني اتباع مسار قومي أكثر تشككاً في الاتحاد الأوروبي، بحسب الصحيفة الأميركية. العلاقات مع موسكو وحافظت روما عبر التاريخ على علاقات ودية مع موسكو، لكنها بقيت متضامنة مع حلف شمال الأطلسي ناتو منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في ظل حكومة ماريو دراغي. ميلوني وحزبها يعلنان نفسيهما ورثة شرعيين للحركة الاجتماعية الإيطالية، وهو حزب فاشي جديد أسّس بعد الحرب العالمية الثانية. "أنا جورجيا، أنا امرأة، أنا أم، وأنا إيطالية، وأنا مسيحية"، هكذا اختارت التعريف نفسها في عام 2019 أمام أنصارها في روما، لتحدد بذلك أبرز العناصر التي تحرك نشاطها السياسي ضمن وعاء هوياتي، لا يخرج عادة عن المفاهيم السائدة وسط اليمين المتطرف، المرتبط أساساً بشكل متشدد بالانتماء القومي. عرفت ميلوني كصحفية وسياسية وعضوة بمجلس النواب وأصغر وزيرة في تاريخ إيطاليا