تتباين اتجاهات مدوني الحكايات والأساطير الشعبية السعودية في مسألة اختيار لغة تدوينها، وهل الأنسب اعتماد تدوين النص بلغته الأصلية (العامية) والتضحية بشريحةٍ من المتلقين قد لا يفهمونه تمام الفهم؟ أم تدوينه بالعربية الفصحى وكسب شريحة أكبر من القراء، حتى لو نتج عن ذلك التضحية بدقّة النص وحيويته؟ في المقال السابق أشرت إلى التزام سعد الصويان وسمير الضامر بالتدوين باللهجة العامية، وقد ذكر الأول أنه دوّن السوالف والأشعار كما هي حتى لا تفقد «متعتها الفنية ولا قيمتها العلمية والأدبية واللغوية»، وذكر الثاني أيضاً أن سبب اختياره هو أن العامية هي «روح تلك الحكايات». وكان الشيخ عبدالكريم الجهيمان قد اختار إعادة صياغة أساطيره بالعربية الفصحى؛ لكي «يفهمها القارئ العربي في كل قطر من أقطار العروبة ما عدا بعض الأناشيد أو الحكم المسجوعة»، ووضع في نهاية كل جزء من كتابه شرحاً للألفاظ العامية. وفي تدوينه للأساطير والحكايات الشعبية اتفق عبده خال مع الصويان والضامر في مسألة أن الكتابة تُقصّر في نقل خصائص السرد المتعلقة بأداء الراوي، كما أكّد في (قالت عجيبة) على أن تحويل النص الشفهي إلى مكتوب «يُفقده طراوته وسخونته»؛ لأن القواعد الكتابية تقوم «بتكبيل مفردات النص»، لكنه لم يسلك طريقهما في تدوين المرويات الشعبية بلهجتها العامية، واعترف بأنه حار في اختيار اللغة المناسبة، ثم قرّر ترك نفسه «على سجيتها» أثناء التدوين، وفي نهاية المطاف وجد أن عمله قد اشتمل على ثلاثة مستويات لغوية: «فمرةً تروى الحكاية بأسلوب يقترب إلى اللغة الأدبية، ومرةً تجده متزاوجاً بين الفصيح والعامي، وثالثة باللهجة العامية». يتفق عبده خال مع محمد ربيع الغامدي، صاحب (ذاكرة الفواجع المنسية)، في إيراد عدد من الحكايات والأساطير مرتين، مرة كما هي بلهجة الراوي الشعبي، ومرة ثانية بالفصحى، وهي طريقة جيدة تُذكّرنا بوضع المترجم للنص الأصلي جنباً إلى جنب مع الترجمة، وقد رأى عبدالفتاح كيليطو أن المترجم قد يلجأ لهذه الطريقة «كدليل على حسن نيته وتبرئة لذمته». ولكن الدافع الواضح للجوء المدونين إلى هذه الطريقة هو إتاحة فهمها لأكبر عدد ممكن من القراء، وشعورهما بأن اللغة الفصحى لا يمكن لها نقل كثير من تفاصيل النص الشعبي. وإذا عُدنا لتأمل طريقة المزاوجة بين الفصحى والعامية، التي لجأ إليها خال في تدوين أساطيره، سنجد أن أوضح عيوبها هو إثقال النص بإعادة صياغة الحوارات العامية بالفصحى، فالقارئ مضطر للتوقف، مراراً وتكراراً، لقراءة بعض الحوارات مرتين قبل مواصلة الحكاية، فعلى سبيل المثال نطالع في (قالت عجيبة ص140): «كنها كلبة جهلتها ماتوا وما قالت جوبة ولما ماتت تا العجوز حزنت عليها، كنها تقاود لها. كأنها كلبة، مات أبناؤها ولم تبكهم، وعندما ماتت هذه العجوز بكتها حرقة، ربما كانت تقاود عليها». ويتكرر توقف المدوّن في مواضع عديدة لإعادة صياغة حوارات طويلة يخمّن أن تحويلها للفصحى سيساعد على الفهم، لكن قطع اتصال السرد باستمرار له تأثير سلبي، وكثيراً ما يتسبّب في الحدّ من متعة المتلقي... وللحديث بقية.