الجمال يُدهش.. يُروي ويُظمئ.. يجمع المتعة مع العذاب.. يجعلنا نتلهّف على الفراديس ونشتاق.. يحملنا إلى سديم فوق الخيال.. يأخذنا إلى جزائر لم يرها إنسان.. يسافر بنا.. يسامر أحلامنا.. يُنسينا الزمان.. ويمحو خارطة المكان.. ويظل وحده ملء العين.. وملء القلب والوجدان.. الجمال الكامل يجعل العيون تتسمّر.. والقلوب تتكسّر.. والمشاعر تتحسّر.. عشق الإنسان للجمال أبدي.. عشق يجري في الدم.. يسري في العروق.. يزيد مع الوصال ويضني مع الحرمان: «القلبُ قد أضناه عشقُ الجمالْ والصدر قد ضاقَ بما..لا يُقال» يرى أفلاطون أن الجمال فوق الحقيقة.. ويقول الشعبيون: الزين مثل الحياء متبوع لو ما تلى الناس يتلونه ويهيم به الناس هياما ويغرم به الشعراء غراما ويطيب معه الجو.. ويحل الربيع قبل الربيع.. ويزهر المكان.. ويزهو المحيط.. وتهب أنسام النعيم ومن شعر الحب الذائب: والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولا تنفست مسرورا ومكتئبا إلا وأنت صهيلي بين أنفاسي ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيالا منك في الكاس.. وشعر آخر تودي به المشاعر حد التلف: قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ عَطفاً على رَمقي وما أبقَيتَ لي منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُماطلي والصّبْرُ فانٍ واللّقاء مُسَوّفي لم أَخلُ من حَسَدٍ عليك فلا تُضِعْ سَهَري بتَشْنِيع الخَيالِ المُرجِفِ واسأَلْ نجومَ اللّيلِ هل زارَ الكَرَى جَفني وكيف يزورُ مَن لم يَعْرِفِ لا غَرْوَ إن شَحّتْ بغُمْضِ جُفُونها عيني وسَحّتْ بالدّموعِ الذّرّفِ وبما جرَى في موقفِ التوديعِ مِنْ ألمِ النّوَى شاهدتُ هَولَ الموقفِ إن لم يكن وْصلٌ لدَيْكَ فعِدْ به أَمَلي وَمَاطِلْ إنْ وَعَدْتَ ولا تفي فالمَطْلُ منكَ لدَيّ إنْ عزّ الوفا يحلو كوَصَلٍ من حبيبٍ مُسْعِفِ أهْفُو لأنفاسِ النّسِيمِ تَعِلّةً ولوَجْه مَن نقَلَتْ شَذَاهُ تشوّفي فلَعَلّ نارَ جوانحي بهُبُوبِها أن تنطَفي وأوَدّ أن لا تنطَفي يا أهلَ وُدّي أنتم أَمَلي ومَن نَادَاكُمُ يا أَهْلَ وُدّي قد كُفي عُودوا لِما كُنْتُم عليه من الوفا كَرَماً فإنّي ذَلِكَ الخِلّ الوَفي وحياتِكُمْ وحياتِكُمْ قَسَماً وفي عُمري بغيرِ حياتِكُمْ لم أحْلِف لو أَنّ رُوحي في يدي وَوَهَبْتُها لمُبَشّري بِقُدُومكمْ لم أُنْصِف لا تحسَبُوني في الهوى مُتَصَنّعاً كَلَفي بِكُمْ خُلُقٌ بغيرِ تكلُّف أخفَيتُ حُبّكُمُ فأخفاني أسىً حتى لعَمري كِدْتُ عني أختفي وكتمْتُهُ عنّي فلو أبدَيْتُهُ لوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْف الخَفي ولقد أَقولُ لِمَنْ تحَرّشَ بالهوى عرّضْتَ نفسَكَ للبَلا فاستهدف أنتَ القَتِيْلُ بأيّ مَنْ أحبَبْتَهُ فاختر لنَفْسِكَ في الهوى من تصطفي بَرَحَ الخَفاء بحُبّ مَنْ لَوْ في الدّجى سَفَرَ اللّثامَ لقُلْتُ يا بدرُ اختَفِ وإن اكتفى غَيري بطَيفِ خيالِهِ فأنا الّذي بوِصالِهِ لا أكتَفي يا ما أُمَيْلَحَ كُلَّ ما يرْضَى بِهِ ورُضابُهُ يا ما أحَيْلاَهُ بفي كُلُّ البُدُورِ إذا تَجَلّى مُقْبِلاً تصبُو إليه وكُلُّ قَدٍ أهيَف إن قُلْتُ عندي فيكَ كُلُّ صَبَابَةٍ قالَ المَلاحةُ لي وكُلُّ الحُسْنِ في كَمَلَتْ مَحاسنُهُ فلو أَهدى السّنا للبَدْرِ عند تَمامِهِ لم يُخْسَف وعلى تَفَنّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ يَفنى الزّمانُ وفيه ما لم يُوصف أبو الفارض «سلطان العاشقين» يكاد لولا اسم الله يصْحبُهُ تأكلهُ عيوننا وتشرَبُهُ ومن شعرنا الشعبي في تصوير سطوة جمال الحبيب واستسلام المحبوب: ياحبيبي حكمت .. وخل حكمك عدال سو بي ما تشاء .. وافعل على ما تريد الله اللي عطاك .. وصورك بالجمال كامل ٍ بالبهاء .. والملح فرقه بعيد من تجي راس ماله .. مايبي راس مال ان حيى جنته .. وان مات يكتب شهيد ليت من ينهبه .. ياسعود ذاك الغزال ثم يزبن عليهم .. مثل زبنت رشيد آه ياعمري اللي .. ما اهتنى بالوصال راح عمري بلاش .. وعشت عيشة زهيد جل من صورك .. وكملك بالجمال اشهد اللي ينالك .. ذاك حظه سعيد منصور الفقاعي وفي مختلف الأذواق يظل الجمال حلمًا للنساء والرجال... والجمال مبثوث في كون الله الفسيح.. ليس الجمال في وجه امرأة فقط.. الجمال موجود في مناظر الطبيعة الخلابة.. وفي قُبّة السماء المزدانة بالنجوم.. وفُضّة القمر تذوب في زورق الليل.. والجمال موجود في روائع الآداب والفنون.. وفي روائح الخزامى والأقحوان.. وعبق الورد والريحان.. وفي تغاريد الطيور.. وتمايل الأغصان .. في نزول المطر ورائحة اختلاطه بالأرض المحروثة.. في بياض السحاب وشموخ الجبال ونقاء الصحراء وجلال الغابات.. في مهابة البحار وعذوبة الأنهار ورفيف أجنحة الفراشات وعزيف السواني في هدأة القرية وسعة الصحراء ومهابة الجبال.. في الكفاح الراشد والسعي الشريف نحو النجاح.. الجمال مبثوث في كون الله الفسيح من براءة الأطفال إلى وفاء النساء وكفاح الرجال .. الجمال ليس ماديًا فقط ولكنه يتعطر في المعنويات من كرم الأخلاق وطيب الكلام وصفاء النيات.. في صدق اللهجة وسلامة القلب وراحة البال وحسن العشرة وحب الخير حتى يمتزج الخير بالإنسان ويملأ الخلايا والحنايا.. وقبل هذا في الإيمان العميق بالله العلي العظيم.. وكما في الأجسام هنالك جمال الروح وهو أبقى.. الزين مثل الحياء متبوع لو ما تلى الناس يتلونه جمال الوجه يزول وجمال الجسد يزول وجمال الروح يبقى على طول.. ومع أن الأناقة والرشاقة وخفة الدم والمرح جزء من الجمال إلا أنه لا يكتمل إلا بجمال الشمائل ومكارم الأخلاق.. ومآثر الكرم ومساعي الفتى إلى الأمجاد بشرف واستعداد: «ليس الجمالُ بمئزرٍ فاعلم وإن رُدِّيتَ بُردا إِنّ الجمالَ معادنٌ وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا» والمال مع البخل منتهى القبح ومع الكرم غاية الجمال.. ليس الجمال في وجه امرأة فقط عبدالله الجعيثن