الوزن والقافية مجرد جسد في الشعر، الروح الشاعرة تتكوّن من الصُّور الخلّابة الخلّاقة، والأخيلة المُبدعة المُوحية، والموسيقى الداخلية المُنسجمة مع العواطف الجيّاشة، هنا يكون الشعر إبداعاً موثراً تُردده الأجيال، وتطرب له القلوب، ولا تملُّ سماعه الآذان، بل يتردد على كلّ لسان. لقد كان الشاعر سعد الخريجي مُبدعاً في قصيدته (عشق بدوي)، فهذه القصيدة غصن أخضر من شجرة عمرها ألف وخمسمائة عاماً، فهي - مع أصالتها الواضحة - بنتُ بيئتها النجدية العريقة، وبنتُ تُرْبتها الخصبة التي أخرجت أعظم الشعراء، وأوحت لهم بأجمل الصور، وأنبل المشاعر وأقوى أواصر الانتماء والامتزاج الأصيل مع الماضي العريق وتجسيده حيّا في الواقع المعاصر: نويت مرباع الغضي سيد الاحباب قصدي يزول الجرح زاد التهابه جيت وبقايا نارهم حول الاطناب بيت الشعر مطوي وباقي زهابه اقفت ركايبهم ومني الهدب ذاب من دمع يسأل وانذهل بالاجابة على غزير الدمع ضمّيت الاهداب صدّيت لين الدمع يقفي سحابه بعض الوجع يمكن تداويه الاعشاب وبعض الوجع يا ويل منهو سطابه عشق بدوي لا حب ما هوب كذاب يوفي لو جرحه تجدّد صوابه واليوم وصلت بيننا مثل الاجناب ذاك الغلا يا ضيعته يا سفابه باكر الى جينا لهم مثل الاغراب من عقب ما كنا الاهل والقرابه الامر لله كل شي له اسباب والا الهوى وش لي على هج بابه وشلون قلبي ما يجي اليوم منصاب على الرجن منقوش بعض الكتابه حتى اثر مشيه مع سهول وهضاب مرٍّ يبين ومرٍّ ما يندرى به قلبي من الفرقا صويب ٍ ومرتاب كنه غدا نصفين من هول ما به حزني عليه انه تسبّب ولا طاب نظرة طبيبه عجّلت في ذهابه ريح الخزامى والنفل زين الاطياب يشدني ريح السمر في ثيابه لا اقبل نسيم الليل له خيل وركاب وله في طلوع الشمس عزّ ومهابه (سعد الخريجي) ريح الخزامى والنفل زين الاطياب يشدني ريح السّمْر في ثيابه نورٌ تجسّم من شمسٍ ومن قمرٍ حتى تكاملَ منهُ الروحُ والبدنُ وديوان العرب يزخر بألوف القصائد النابضة بالروح الناطقة، الحاشدة بالصور الفنية الباهرة، والمسافرة على أجنحة الخيال لتجعل القارئ يتذوّق الجمال الفنّي، ويتماهى مع عواطف الشعراء: قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيهِ أسى، ومِثلي مَن يَفي ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني يا خيبة المسعى إذا لمْ تسعفِ يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي منْ جِسميَ المُضْنى، وقلبي المُدنَفِ فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلا تُضعْ سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ واسألْ نُجومَ اللّيلِ: هل زارَ الكَرَى جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟ لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ وبما جرى في موقفِ التَّوديعِ منْ ألمِ النّوى، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ إن لم يكُنْ وَصْلٌ لَدَيكَ، فَعِدْ بهِ أملي وماطلْ إنْ وعدتَ ولاتفي فالمطلُ منكَ لديَّ إنْ عزَّ الوفا يحلو كوصلٍ منْ حبيبٍ مُسْعِفِ أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوُّفي فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي يا أهلَ ودِّي أنتمُ أملي ومنْ ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّي قد كُفي عُودوا لَما كُنتمْ عليهِ منَ الوَفا، كرماً فإنِّي ذلكَ الخلُّ الوفي لوْ أنَّ روحي في يدي ووهبته المُبَشّري بِقَدومِكُمْ، لم أُنْصِفِ لا تحسبوني في الهوى مُتصنِّعاً كلفي بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسى حتى ، لعَمري، كِدتُ عني أختَفي وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى: عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي قلْ للعذولِ أطلتَ لومي طامعاً إنَّ الملامَ عنِ الهوى مستوقفي دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ بَرَحَ الخَفاءَ بحُبّ مَن لو، في الدّجى سفرَ الِّلثامَ، لقلتُ يا بدرُ اختفِ وإن اكتفى غَيْري بِطيفِ خَيالِهِ ، فأنا الَّذي بوصالهِ لا أكتفي وَقْفاً عَلَيْهِ مَحَبّتي، ولِمِحنَتي، بأقَلّ مِنْ تَلَفي بِهِ، لا أشْتَفي لوْ قالَ تِيهاً: قِفْ على جَمْرِ الغَضا لوقفتُ ممتثلاً ولمْ أتوقفِ أوْ كانَ مَنْ يَرْضَى، بخدّي، موطِئاً لوضعتهُ أرضاً ولمْ أستنكفِ لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ هوَ بالوصالِ عليَّ لمْ يتعطَّفِ غَلَبَ الهوى، فأطَعتُ أمرَ صَبابَتي منْ حيثُ فيهِ عصيتُ نَهْيَ معنِّفي مني لَهُ ذُلّ الخَضوع، ومنهُ لي عزُّ المنوعِ وقوَّة المستضعفِ ألِفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يَزلْ، مُذْ كُنْتُ، غيرَ وِدادِهِ لم يألَفِ ياما أميلحَ كلَّ ما يرضى بهِ ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي كلُّ البدورِ إذا تجلَّى مقبلاً، تَصبُو إلَيهِ، وكُلُّ قَدٍّ أهيَفِ إنْ قُلْتُ:عِندي فيكَ كل صَبابة؛ قالَ:المَلاحة لي، وكُلُّ الحُسْنِ في كَمَلتْ مَحاسِنُهُ، فلو أهدى السّنا للبدرِ عندَ تمامهِ لمْ يخسفِ وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ، يَفْنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ ولقدْ صرفتُ لحبِّهِ كلِّي على يدِ حسنهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي (شرف الدين ابن الفارض) لم يُنسنيكِ سرورٌ لا ولا حَزنُ وكيف لعمري يُنسى وجهُكِ الحسنُ ما زلتُ مذ كلِفتْ نفسي بحبكمُ كلي بكلك مشغولٌ ومرتهنُ نورٌ تجسّم من شمسٍ ومن قمرٍ حتى تكاملَ منهُ الروحُ والبدنُ (إبراهيم بن المهدي)