قبل سنوات وفي إحدى الوزارات العربية، كان هنالك مسؤول يصطدم بالجميع ويحاول دائماً أن يفرض رأيه ويمرر مشاريعه بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة. ورغم أنه كان يمتلك قدرات جيدة وحقق بعض النجاحات، إلا أن هذا الأسلوب الصدامي مع الآخرين خلق للمسؤول المذكور الكثير من العداوات والخصوم في الوزارة التي يعمل بها. وقرر خصومه الانتقام منه بطريقة ماكرة تمثلت في سحب أفضل موظفيه ونقلهم إلى إدارات أخرى وإرسال أضعف الموظفين في الأداء وأكثرهم سوءاً في السلوك ليعملوا تحت إدارته. ولم يكن ذلك المسؤول يمتلك حق الاعتراض. وفعلاً، وما هي إلا فترة بسيطة وبدأ الأداء والنتائج تتدهور بسبب نوعية الموظفين السيئة. وفوق ذلك بدأ الموظفون سيئو الطباع في افتعال المشكلات والأزمات ورفع الشكاوى الكيدية والحقيقية ما جعل بيئة العمل مكهربة والأعمال تتوقف ولم تنتهِ المشكلات حتى غادر ذلك المسؤول منصبه وقد تعب وأتعب من حوله. وبالمقابل، يحكي السيد روبرت فورد الذي يتولى حالياً منصب الرئيس التنفيذي في إحدى الشركات المتخصصة في التدريب القيادي عن تجربته في بداية مسيرته المهنية عندما كان يعمل في أحد البنوك الأسترالية، وقتها سأل السيد روبرت رئيس البنك الذي يعمل به: "ما الذي يصنع مديراً رائعاً؟"، فأجابه رئيس البنك مباشرة وبدون تفكير عميق:"الأتباع الرائعون!". القصتان أعلاه تقدمان نموذجاً واضحاً للأثر الكبير الذي يمكن أن يلعبه الفريق على المدير. فمهما كان المدير مميزاً وناجحاً فلن يتمكن من تحقيق أي نجاحات ما لم يمتلك الأدوات اللازمة والبيئة الداعمة ويأتي في مقدمة ذلك الأتباع أو فريق العمل. ففي حالة المسؤول الصدامي، كان افتقاده للقدرة على اختيار فريقه أو الحفاظ عليهم السبب الرئيس لحالة الفشل التي وصلت لها إدارته. أضف لذلك بيئة العمل المكهربة التي صارت تعج بالصراعات والشخصنة مما جعلها بيئة طاردة للكفاءات بامتياز. وبطبيعة الحال، فالأتباع الرائعون لا يمكن أن يعملوا مع مدير لا يمتلك الصلاحيات والأدوات للحفاظ عليهم والاستثمار فيهم وتطوير قدراتهم وتمكينهم ليرتقوا في السلم المهني ويحققوا نجاحات في أعمالهم ومشاريعهم. وفي هذا الصدد، وحسب نتائج دراسة لشركة ماكينزي أند كامباني التي شملت أكثر من 13 ألف موظف استقالوا من أعمالهم في الفترة بين أبريل 2021م إلى أبريل 2022م، فقد كانت من أهم أسباب للاستقالة هي: انعدام التطور المهني 41 %، ضعف الرواتب 36 % والقادة المفتقدون للرعاية والإلهام 34 %. وفي الوقت الذي نركز الحديث فيه عن الأتباع الرائعين، فلاشك أن العكس صحيح كذلك. فمهما كان الفريق قوياً واستثنائياً، فمدير فاشل يستطيع بسوء قراراته أن يهدم كل النجاحات ويفسد بيئة العمل ويسممها. فنوعية المدير تلعب دوراً محورياً في القدرة على استقطاب أفضل الكفاءات. وكما يقال دوماً فالناس لا تترك الوظائف بل تترك المديرين السيئين. وباختصار، النجاح يتطلب فريقاً رائعاً يصنعه. وليتمكن الفريق من صناعة النجاح فلا بد من توفر القيادة القادرة والملهمة، والبيئة الداعمة والأدوات اللازمة، وبدون هذه العوامل مجتمعة فلا يمكن انتظار نتائج ملموسة وحقيقية. وأختم بكلمات السيد روبرت فورد:"لا يتبع أفراد الفريق القائد لأنهم مضطرون، بل لأنهم يريدون فعل ذلك!".