حديثي عن الذكرى الستين لصحيفة "الرياض" أعتقد أنه مختلف عن الغالبية ممن عمل فيها أو من قرّائها على مدى هذه العقود، أنا لم أعمل يومًا في الصحيفة ولست صحفيًا لتقييم أي عمل صحفي، لكن علاقتي في صحيفة "الرياض" هي أني عشت داخل مجتمعها منذ أن ولدت، والحقيقة أن والدي تولى رئاسة التحرير فيها قبل أن أولد بسنوات. في البيت كل شيء يسير على إيقاع الصحيفة، يفرح البيت بفرح الصحيفة ويتفاعل مع أحداثها وكان المرحوم ونحن نكتفي بتسميتها "الجريدة"، وكانت أسرة التحرير باختلاف مناصبها تجمعنا بها علاقات أسرية ممتدة حتى يومنا هذا من التواصل والمحبة في صحيفة كانت هي الاستثناء بأن جعلت أغلب صحفييها المتفرغين حملة أسهم في ملكيتها! في الزمن الورقي كانت أهم ساعات العمل هي في الليل قبل الطبع، وأهم أيام الأسبوع هي عطلة نهاية الأسبوع عندما يرتاح الناس، وعندما يعود والدي في آخر الليل ومعه عدد يوم الغد (الطبعة الأولى)، غالبًا ما يقوم باتصالاته بالصحيفة فور وصوله لإجراء بعض التعديلات، أو يتصل به أحد زملائه لإخباره بتطورات تستوجب تعديل العدد قبل طبعه حتى أني كنت معتادًا أيضًا أن أتلقى بعض من هذه الاتصالات وأبحث عن والدي في البيت قبل ظهور الهاتف المحمول، وكان من الأشياء المتكرر طلبه تأجيل الطباعة نتيجةً لتعديل بعض المواد، وكان الكثير من مواد النشر تتطلب التفكير الدقيق لاتخاذ قرار بنشرها، وغالبًا بعد نهاية أسبوع عصيب من العمل يلتقي الزملاء مع بعضهم مع أوراق (البلوت)، وقضايا النشر المعقدة والتي غالبًا ما تتحول لحديث طريف يجمع الزملاء، وأثناء فترة عملهم في مبنى الملز يكسرون ضغط العمل داخل مبنى يعج برائحة الحبر بالمشي على امتداد شارع الستين. وفي بداية التسعينات الميلادية انتقلت صحيفة "الرياض" إلى مقرها الحالي، قد لا يعلم الكثير بأن صحيفة "الرياض" قد بدأت بإصدار أولى طبعاتها من مبنى صغير في حي المرقب ولم تكن صفحاتها عديدة وملونة كما نراها اليوم بل كانت ثماني صفحات فقط ومن دون ألوان، كما حققت أرقامًا قياسية في ما بعد كأعلى ربح في تاريخ الصحف السعودية لم تصل له أي صحيفة أخرى. وفي العامين 2011م و 2012م اختيرت كأفضل صحيفة عربية في ملتقى الإعلاميين في الأردن بعد منافسة دقيقة مع صحيفة الأهرام التي رجح فيها صحيفة "الرياض"، وأُقيم بهذه المناسبة احتفال كبير حضره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-. وعلى مدى هذه السنوات وأنت تقرأ أيها القارئ الكريم لصحيفة "الرياض" بالتقارير الشاملة من سياسية وثقافية ورياضية وأيضا بكركاتير طريف وزوايا مشاغبة مثل (غرابيل) و(معوكس) والأعمدة اليومية وكأن صحيفة "الرياض" (صديق من ورق) تستمتع بوجوده دون أن تشعر بالمجهود والسرعة والأعصاب المتوترة والكتابة السريعة مع دقة الصياغة وإعداد الحبر والإخراج والصف لطباعة الصحيفة وجميعهم بروح فريق الواحد... رحم الله من رحل من ذلك الجيل، واليوم (أبناء "الرياض") ما زالوا فخورين بصحيفتهم التي خرّجت الكثير من رؤساء التحرير في الزمن الورقي والقياديين الآن في الإعلام الرقمي في شتى المؤسسات، ومع تحديات الغد والتطور الرقمي ورحلة التطور الصحفي.