حضور مُفارِق ومُختلف ذلك الذي سجّلته «الرياض» منذ صدورها، من حيث التجديد، وطرح الأفكار التقدّمية ذات الغِنى والتنوّع والإدهاش. فمنذ البداية راهنت على عُمق وثراء طرحها، وحدّقت بعينها على وعي قارئها الحصيف؛ الذي يتفاعل، ويساهم برأي، أو فكر، أو عطاء. يكسو هذا الحضور: التميّز، والرصانة، والجِدّة، والمُواكَبة، والآنية، في قالب صحافي رشيق وجذاب وأنيق. ولأنّ الرؤية واضحة، والنهج العميق في التعاطي مع المهنة كان جلياً، والمبادئ راسخة؛ فلم تنجرف «الرياض» أو تقع في فخ الإثارة المفتعلة بداعي السبق، ولم تأبه بموجة الاضطرابات والانتفاضات التي عصفت بعالمنا العربي، وخلخلت بناه الفكرية والثقافية والسياسية. لقد ظلّت «الرياض» صوتاً صادحاً بالحق، والالتزام، واستمرّت وفيّة لنهجها الوطني، ومدافعة عن قضاياه ومواقفه؛ في صلابة، وثبات؛ لا تُداور ولا تُهادن، ولا تُناور، مدفوعة بقناعة قوامها: رسوخ المبادئ، وأمانة الكلمة، واستشعار دورها التنويري في تكريس فكر وطني رصين، باثّة روحَ العطاء، ومُكرّسة حسّ المُواطَنة المسؤول، ولم تغفل حقّ المواطن في الحلم بغدٍ مشرق، ورؤى مستنيرة يعم نورها أرجاء الوطن. آمنت «الرياض» بأهمية أدوارها الفكرية والثقافية المتعددة فلم تكن بمنأى عن الحراك المجتمعي؛ فقد كانت صوتاً صادقاً للمواطن وضميراً مخلصاً يصل صداه للمسؤول الذي لمس صدق توجهها والتحامها مع قضايا وفكر مجتمعها. وعلى امتداد تاريخها لم تتصنّع وتداور ولم تضع حول حضورها هالة من الزيف؛ بل ظلت وفية -وما زالت- بنهجها الرصين؛ فكانت إصداراتها المتنوعة، «كتاب في جريدة» الذي كان زاداً ثقافياً عربياً مُلهِماً؛ هذا خلاف مشروعاتها الثقافية والفكرية الأخرى التي كانت أداة ناجعة لترسيخ الثقافة، وتصديرها كقيمة حضارية، تسمو بالفرد والمجتمع، وتنمّي في داخله التسامح، ونبذ العنف، وإشاعة قيم الخير، والجمال، والتشارك الإنساني الخلاّق. رحلة «الرياض» بدأت منذ ستة عقود، ومستمرّة في التحليق بجناحي الإبداع والصدق، بذات السُّمو والارتفاع، شامخة، أبيّة، لم تُثْنِها رياح التحديات، ولا أنواء المصاعب التي عصفت بصحف العالم، وتكاد تقضي على أعرق مهنة وأشدّها فاعلية وحساسية في عصرنا الحديث.