بعد دفعه إلى الخروج من مالي حيث امضى تسع سنوات في مكافحة الجماعات المسلحة، يريد الجيش الفرنسي مواصلة التعاون مع النيجر ودول أخرى في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، ولكن بتكتم أكبر لضمان قبوله، وفي محيط ما زالت خطوطه غير واضحة. وأصبحت القوة المستعمِرة السابقة لباماكو، غير مرغوب فيها وتستعد لمغادرة البلاد في غضون أسابيع قليلة. فقد دفع المجلس العسكري الحاكم منذ 2020، الجيش الفرنسي إلى الخروج واستعان بمجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية. وتعتزم فرنسا الآن استخلاص الدروس من هذه العملية لتجنب تكرار الإخفاقات الماضية. وقال القائد الحالي لقوة برخان الجنرال لوران ميشون لوكالة فرانس برس "ساهمنا في تعزيز قوة جيش مالي ... إلا أننا تحركنا مكانه أيضا.. هذا الأمر انتهى". وسيحل الجنرال برونو باراتز في أغسطس محل الجنرال ميشون. ولخص الكولونيل أبير بودوان نائب قائد العمليات في برخان "نحن نغير الصيغة مع وجود شراكة أكثر تكتما. اليوم لم يعد الانتشار بجيش كبير متناغما مع العصر". واعتبارا من الآن، سيقدم الجيش الفرنسي دعمه من دون أن يكون في الواجهة. وهي طريقة لتقليص إمكانية رؤية تحركاته التي تشكل مصدر استياء للمجتمعات الأفريقية، مع الحفاظ على وجوده في منطقة نفوذها التاريخية هذه. وبعد فك ارتباطها بمالي، ستكون فرنسا قد قلصت وجودها في منطقة الساحل بمقدار النصف عبر الإبقاء على نحو 2500 جندي فقط في المنطقة. في النيجر سيبقي الفرنسيون على أكثر من ألف عنصر ومركز جراحة كان مقاما في غاو- وقدرات جوية تتمثل بثلاث مقاتلات وست طائرات مسيرة وبين أربع وست مروحيات. * منافسة استراتيجية - سيتولى مركز قيادة خاص من نيامي إدارة "الشراكة القتالية" بين قوات النيجر المسلحة ونحو 250 جنديا فرنسيا تم نشرهم معا منذ عام بالقرب من الحدود مع مالي حيث أقامت نيامي سلسلة من المواقع العسكرية. من جهة أخرى، لا تتحدث هيئة الأركان كثيرا عن مجالات التعاون الأخرى بحسب الطلب (الشراكة القتالية والتدريب والمشورة والدعم) المقدمة إلى بلدان المنطقة، خصوصا دول خليج غينيا (بنين وتوغو وغيرها...). واكتفى قائد برخان بالقول "تدور مشاورات بين العواصم الأفريقية وباريسوالعواصم الأوروبية". وبين الرغبة في التكتم لتجنب إزعاج أي شركاء محتملين وعدم وجود توجيهات واضحة من السلطة التنفيذية الفرنسية بشأن استمرار العمليات، يقول ضابط "ننتظر أوامر من السياسيين. بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، الأمر معقد". وسيبقى المقر القيادة الفرنسي للعملية التي ستخلف برخان في الوقت الحالي في نجامينا في تشاد التي أبرمت معها فرنسا اتفاقية دفاعية. لكن سيتم تخفيض عديدها. أما بالنسبة لبوركينا فاسو حيث قُتل 34 مدنيا خلال عطلة نهاية الأسبوع، فهي "ترغب في الحصول على مساعدتنا لكنها لا تزال مترددة بشأن تكثيف وجودنا البري خارج منطقة عملية +سابر+" وهي وحدة من القوات الخاصة الفرنسية متمركزة في منطقة واغادوغو، حسب أحد كبار الضباط. وإلى جانب المساعدة على احتواء العنف الذي يهدد بالامتداد إلى خليج غينيا، يتمثل رهان باريس في الحفاظ على وجود عسكري فرنسي في تجنب عملية إبعاد على الصعيد الاستراتيجي، في وقت تتزايد فيه المنافسة على الساحة الدولية. في غرب إفريقيا يتبع الروس استراتيجية نفوذ من خلال حملات مناهضة للفرنسيين. وتحذر الاستخبارات العسكرية التابعة لبرخان من أن "الهجمات التي نفذتها فاغنر على شبكات التواصل الاجتماعي تتجاوز مالي وتنتشر في إفريقيا". وتضيف "اكتشفنا مجددا هذا الخطر لكنه من تداعيات الحرب". لكن إيلي تينينباوم الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري) يرى أن فرنسا "لاعب دبلوماسي وعسكري لا يمكن تجاوزه في المنطقة تثبت في غرب إفريقيا مثل أي مكان آخر في العالم وضعها كقوة ذات نفوذ عالمي متوسط".