تضع المملكة نصب عينها أمن واستقرار دولتها فهي تعمل جاهدة على حفاظ أمن المواطنين والمقيمين على حد سواء وحمايتهم من كُل ما يزعزع هذا الاستقرار بمختلف أجهزتها الأمنية التي تتولى هذه المهمة، وقد عمدت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- إلى بناء أساسٍ قوي ودعائم متينة تقوم على بناء منظومة أمنية ذات اركان قوية، فكان الاهتمام مُنذ ذلك الوقت منصباً على ترسيخ دعائم الأمن كوسيلة مهمة وحيوية مُتمثلة بالقوات العسكرية المشتركة، وهي القوات المسلحة التي تتبع لوزارة الدفاع والحرس الملكي والحرس الوطني وحرس الحدود وقوات العمليات الخاصة ووحدة الأمن الخاص، وتتميز هذه المنظومة بجاهزيتها لقوى بشرية على أعلى قدرٍ من التدريب والتأهيل والمهارة والاحترافية والجدارة والتحفيز اللازم لتنفيذ جميع أنواع العمليات والتصديات لمكافحة جميع أنواع التهديدات والتحديات المختلفة سواء داخلية او خارجية، ودعمها كأهم وسيلة من وسائل النهوض بالمملكة وتنميتها، إذ يعتبر الأمن أساس بناء الحضارة وازدهارها فلا يمكن بناء حضارة وسط عالم من الحروب والفوضى، ليسير أشبال المؤسّس من بعده على هذا النهج بالحفاظ على المنظومة الأمنية وهو نهج أدى إلى ما وصلت إليه المملكة اليوم، ليشهد التاريخ بقفزة المملكة في غضون عقود قليلة لتصبح من أكثر الدول أماناً واستقراراً متقدمة على الدول الأخرى بجميع مجالاتها المختلفة العلمية والدينية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وبقيت هذه السياسة ناجحة حتى عهدنا الحاضر تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظهما الله-. وبما ان الله تعالى كرّم مملكتنا وشرّفها بأن تكون راعية للحرمين الشريفين وقاصديهما، فهي تُضاعف جُهودها خلال موسم الحج من أجل توفير وتحقيق أقصى درجات الأمان والراحة والاستقرار لضيوف الرحمن وقاصدي بيت الله من كل أصقاع الأرض لتأدية فريضة الحج، فالأمن مطلب عظيم وغاية جليلة لذا تسعى دولتنا العظيمة في توفير جو من الأمان والاستقرار وتأمين الاحتياجات الأمنية اللازمة التي ينعم بها الحجاج خلال تأدية مناسكهم، حيث يصل إليها الآلاف من المسلمين بمختلف أعراقهم، وأعمارهم، وألوانهم، وألسنتهم، وثقافاتهم، ولهجاتهم لأداء شعائر نسك الحج والعمرة في مكان واحد، وتفتخر المملكة العربية السعودية بتقديم كافة الخدمات بل انها لم تتهاون لحظة واحدة في تذليل الصعاب حتى تجعل من الحج رحلة ميسرة آمنة للحجاج من داخل وخارج المملكة ، فخدمة الحرمين الشريفين والمسلمين ومقدساتهم ارتبط تاريخياً بالمملكة بل أنه اصبح ذو قيمة راسخة تحظى باهتمام بالغ مُباشر من القيادة الرشيدة، التي اخذت على عاتقها مهمة تنظيم وإدارة مئات الحشود من الحجاج التي تتطلب خبرات متراكمة من المهارات في تدبير السلامة وتصدي لأي أزمة طارئة، وظهرت تلك الجهود ماثلة للعيان منذ ترسيخها أثناء تكوين المملكة وحتى العهد الحاضر للقاصي والداني. لذا في نهاية شهر ذي الحجة من كُل عام يبدأ العمل لموسم الحج الذي يليه، فحكومتنا الرشيدة تجعل خدمة ضيوف الرحمن وسلامتهم نصب أعينها، دافعه كل ما يقتضيه من جهود وأموال في تحقيق أمنهم وسلامة راحتهم باتخاذ جميع التدابير التي تُساهم في حفظ الأمن لهم، وذلك بسبب كثرة الاعداد التي تأتي لأداء مناسك الحج والعمرة مما يدفعها إلى وضع الإجراءات الأمنية المشددة حتى يؤدون مناسكهم بسلامة، ليكون رجل الأمن هو المسؤول الأول عن حفاظ سلامة الحاج، فلولا يقظة رجال الامن لحماية الوطن وضيوفه لا يمكن لمنظومة الحج بكل قطاعاته الميدانية أو التي تعمل داخل مراكز تنظيم الحشود الكبيرة في الحرمين والمشاعر المقدسة في قطاع الأمن العام او مراكز العمليات 911 ورئاسة أمن الدولة والدفاع المدني وغيرها من قطاعات أمنية في موسم الحج أن تنجح فهم الذين يقومون بحفظ الأمن داخل الحرم وخارجه وعلى الطرق المؤدية إلى المشاعر المقدسة، إذ تعمل المنظومة الأمنية وفق خطط تكاملية للحفاظ على أمن ضيوف الرحمن وخدمة الحجاج، ليكن رجل الأمن في نفس الوقت اليد الضاربة من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بأمن الدولة وضيوف بيت الله الحرام. جائحة كورونا أظهرت للعالم جميعا مدى قوة المملكة في إدارة الأزمة والسيطرة بحكمة عظيمة على كُل أمر قد يخُل بأمنها واستقرارها، لتكن أمام تحد كبير يراه العالم علناً خاصةً مواجهة الحفاظ على سلامة حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج، رغم إدراكها ان تجمع ملايين الأشخاص من أنحاء العالم بمختلف الجنسيات واللغات في مكان محصور لأداء فريضة الحج قد يؤدي الى ما لاتحمد عقباه، ويأتي هذا الإدراك من تجارب شهدتها عبر تاريخها خلال موسم الحج في مواجهة عدة كوارث التي أثرت في مناسك الحج في فترات متباعدة، حيث تمكنت القوى الأمنية في المملكة من تصدي وإفشال عدة محاولات لنشر الشر والعدوان وإزهاق الأرواح في أطهر بقعة على وجه الأرض، لم تكن جائحة كورنا كارثة جديدة مُدونة في ملف الكوارث في موسم الحج وقوة إدارة المملكة في تصدي هذه الأزمة الطارئة والحفاظ على أمن كُل نفسً تعيش على أرضها وفي أي وقتً كان خاصةً في موسم الحج، بل هُناك العديد من الحوادث التي وقعت لأسباب مختلفة شهدها المشاعر المقدسة والحرم المكي في أعوام متفاوتة ذهب ضحيتها عشرات الحجاج، مما جعلها ذكرى أليمة تحملها ذاكرة كُل من شاهد هذه الكوارث في تلك السنين. حادثة مكة عام 1987 لم تكن حادثة مكة 1987 الأولى ولا الأخيرة بل فصل من ضمن فصول كوارث مكة في موسم الحج، راح ضحيتها 204 حجاج، وقعت في يوم الجمعة السادس من ذي الحجة 1407 ه الموافق يوليو 1987 في مكةالمكرمة، حيث حصل اشتباك عنيف بين رجال قوات الأمن ومجموعة من الحجاج الإيرانيين، حيث اعتاد الحجاج الإيرانيون على القيام بتظاهرات سنوية ضد إسرائيل وأمريكا رافعين شعارات لا تتماشى مع قدسية الحج، إلا انهم شكلوا مسيرة صاخبة أشاعت الفوضى والاضطراب بين حجاج بيت الله عرقلت مقاصدهم في العبادة وأداء مناسكهم ، والذين كان يبلغ عددهم بنحو 2.1 مليون حاج قادمين من مختلف انحاء العالم، فلا كان من بعض المواطنين إلا بالتدخل لتفاهم بالهدوء والسلم مع قائدي المسيرة طالبين منهم أن يفسحوا في الطريق أمام النساء والأطفال المحتجزين في سياراتهم، إلا ان الحجاج الإيرانيين أصروا على مواصلة المسيرة وسط هتافات متجهين إلى بيت الله الحرام وهم يدفعون المواطنين بالقوة والعنف. وكانت عين رجال قوات الأمن تراقب الموقف من بعيد ضابطين أنفسهم مُتحلين بالصبر على أتم الاستعداد للأوامر العُليا، محاولين منع المواطنين وبقية الحجاج من الاصطدام بالإيرانيين المتظاهرين حرصاً على سلامتهم ودرء للشرور، فما كان من المتظاهرين إلا ان أعتدوا على رجال الأمن بالعصى والحجارة، وعلى اثر ذلك صدرت الأوامر لسلطات الأمن المختصة بالتصدي للمسيرة فورا وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، حيث اوصدت المسيرة منافذ الطرقات وعرقلت مسالك المرور وافسدت على الطائفين والقائمين عبادتهم في المسجد الحرام، فاشتدت حدة الاشتباك لدرجة العنف مما نتج عن هذا الاشتباك مقتل 402 شخص، 275 حاجاً إيرانياً و 42 حاجاً من جنسيات أخرى، و85 رجل أمن سعودي كما بلغ إصابة 649 شخصاً: 303 من الإيرانيين، 245 من السعوديين، 201 حاجاً من بلدان أخرى. حادثة الحرم المكي عام 1989 وفي 10 يوليو 1989 سنة 1409ه يُضاف فصل جديد في ملف كوارث مكة في موسم الحج ، وذلك بحدوث انفجارين شهدتها مكةالمكرمة حدث الانفجار الأول على أحد الطرق المؤدية للحرم المكي أما الآخر انفجر فوق الجسر المجاور للحرم المكي، ونتج عن ذلك الحادثة وفاة شخص واحد وإصابة ستة عشر آخرين، لتُلقي الشرطة القبض على 20 حاجاً كويتياً، أُتهم منهم ستة عشر بتدبير التفجير والذي عرض التلفزيون اعترافاتهم . تعرضت المشاعر المقدسة عبر التاريخ لعدد من الكوارث التي شهدتها مكةالمكرمة في موسم الحج، فتدفق هذه الأعداد الكبيرة الذي قد يفوق المليوني حاج في أوقات محددة يزيد من ارتفاع معدل المخاطر وحدوث الكوارث البشرية، ويعد موسم الحج من أكبر التجمعات في العالم ويضم الكثير من الأجناس بمختلف الألوان والألسنة والأعراق جمعهم إيمان برب واحد ودين واحد إلا أن ذلك الاختلاف والتنوع يؤديان إلى اختلاف في مستوى الثقافة والوعي العام، لذا تسعى المملكة جاهدة وبحزم للحفاظ على أمنها وأمن زوارها سواء قاصدين المملكة لأداء فريضة الحج او العمرة أو غير ذلك، وتظل مهمة الأمن هي الهاجس الأكبر لقادة هذه البلاد فهي لا تتوانى للحظة بالضرب بيد من حديد على كل من يخالف مقاصد الحج ويمس بأمن الحجاج بالعقاب الحازم والحاسم، ونرى ان الأجهزة المعنية تقف كاملة بجاهزيتها للتعامل مع ما قد يطرأ من متغيرات وأحداث وفق ما يتطلبه الموقف، فالمملكة تتعامل مع موسم الحج بكل طاقاتها وإمكاناتها موفرة الأمن وسلامة الحجاج وفق ما هو معمول به كل عام واضعة في الحسبان الأوضاع الأمنية كافة وفق خطط أمنية ووقائية وتنظيمية مسبقة الإعداد ومحكمة التنفيذ. كُل تلك الاحداث جعلت حكومة المملكة تضع سلامة الحجاج من أولويات اهتماماتها، حيث أظهرت حكومتنا الرشيدة اهتمامها في كل موسم حج من خلال وجود حلول مبنية على أسس علمية للوقاية من حدوث الكوارث بمختلف أنواعها، والتي صنفها العلماء والخبراء المتخصصون في مجال الكوارث: كوارث مفتوحة وأخرى مغلقة، فالكوارث التي حصلت في المشاعر المقدسة تُصنف ضمن الكوارث المفتوحة التي لا يمكن بالسهولة حصر الحجاج قبل حدوث الكارثة، بخلاف الكوارث الاخرى، لذا قامت المملكة بإنشاء وزارة للحج وتشكيل لجنة الحج العليا وتاسيس معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والتي تهدف كلها إلى خدمة الحجاج، كما انها تضم علماء وخبراء متخصصين لتطوير المشاعر المقدسة والتغلب على مخاطر الحشود وذلك بتحديد نقاط الفرز التي تساعد الجهات الأمنية وذات العلاقة في معرفة خط سير الحجاج، توفير أنظمة للانذار المبكر وأدوات التحليل والتنبؤ بالمخاطر، وضع سياسات وخطط وتصميم النظم التي تؤمن توجهاً إستراتيجياً لدرء أخطار الحشود وحسن إدارتها، وضع مؤشرات إحصائية للخدمات الإنسانية بالحج في أماكن تجمع الحجاج، للحد من وقوع الكوارث باستغلال الموارد وتوجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف المنشودة، أيضا إعادة بناء جسر الجمرات وإنشاء قطار الحرمين، وغيرها من الإنجازات التي تُسهل أداء هذه الفريضة العظيمة بأحدث التقنيات بما لا يتنافى مع قدسية المكان والزمان. ويتم رسم خطة الاستعداد الكامل بعد دراسات معمقة وورش عمل متخصصة في رصد وتحليل المخاطر على ضوء المتغيرات المناخية والمستجدات في بيئة الحج، ليتم إدارة خطط الوقاية من هذه المخاطر والاستعداد الكامل لمواجهتها في حال حدوثها والتخفيف من آثارها، وتشمل الاستعدادات إعداد سيناريو تفصيلي للتعامل مع كل نوع من هذه المخاطر، وإجراء تجربة فرضية لقياس مدى فاعلية خطط المواجهة عملياً في ذات المواقع المعرضة لهذه المخاطر في العاصمة المقدسة او المشاعر او المدينةالمنورة، بهدف التأكد من استيعاب كل جهة لمهامها وعلاج أي قصور في الأداء قبل بدء أعمال الحج، إلا ان تلك المخاطر تتغير من موسم لآخر تبعاً لما تشهده المشاعر المقدسة من مستجدات من مشاريع يتم تنفيذها لراحة الحجاج، الى جانب تغيرات الجو التي تختلف من سنة لسنة أخرى في موسم الحج مثل الأمطار والعواصف وارتفاع درجة الحرارة، لتسخر الحكومة بكافة قطاعها إمكانياتها البشرية والآلية لخدمة حجاج بيت الله الحرام بما تتطلبه من مهارات وآليات تجعله في حالة من التهيؤ المسبق للمخاطر المتحملة سواء كانت مخاطر طبيعية او غيرها.