لم يكن سؤالاً مفاجئاً ذاك الذي طرحه اللغوي الفرنسي ذو الأصول التونسية كلود حجّاج على الكاتب المغربي الطاهر بن جلون بخصوص ممارسته الكتابة باللغة الفرنسية وليس باللغة العربية، مع إشارة ذكية إلى أنّه سبق وسأله هذا السؤال سابقاً، ولكنّه يريد أن يسمع منه مجدّداً الجواب. بن جلّون الذي تململ قليلاً باحثاً عن جواب مقنع لسائله، وللحاضرين في ندوة جمعت بين لغويين عدة، أجاب أنه يخاف أن يسيء للغة العربية الجميلة لأنّه لا يتقنها، ومن المجحف أن يكتب بها وهو ليس بمستواها احتراماً لها. حجّاج الذي بدا ماكراً جداً بسؤاله، ذكّر بن جلون أن هذا ليس جوابه حين سأله أول مرة، فقد أخبره سابقاً أن أخلاقيات المتلقي العربي والمسلم تحديداً من الصعب أن تتقبل أفكاره، يبدو بن جلون محرجاً أمام هذه المواجهة العلنية فيضحك هارباً من أي تصحيح أو توضيح. مشيراً فقط أن حجاج يعرف أكثر منه في هذه المسألة. ذكّرني هذا الموقف مباشرة بلقاء تلفزيوني طويل مع المفكّر الراحل محمد أركون الذي كتب هو الآخر باللغة الفرنسية، وكانت إجابته على السؤال نفسه -والذي طرحه عليه الإعلامي تركي الدّخيل- إجابة مباشرة غير مراوغة تعكس مدى شجاعة أركون وصدقه أمام سائله "لقد أردت إنقاذ أفكاري، لأن القارئ العربي لم يبلغ مستوى النضج ليناقش الأفكار، دون التهجم والإساءة لكاتبها". قد يكون بن جلّون يستعمل دبلوماسيته الأدبية اليوم لكسب قرّائه دون التسبب في فتح نار الانتقادات اللاذعة عليه، وهذا بسبب "خوف قديم" يسكن أدباء ذوي أصول عربية رغم كتابتهم بلغة أجنبية، فقد تبيّن أن قول الحقيقة أمر غير مرغوب فيه، سواء للقارئ العربي حادّ الطباع، أو للبلد الحاضن واللغة الحاضنة للأديب. في كل الحالات يلاحق الخوف أدباءنا حيثما يذهبون، فاللغة الحاضنة لا تنقذهم من أقدارهم العربية، بن جلون نفسه يستاء من تصنيف كتبه ضمن الآداب الأجنبية في مكتبات فرنسية، مع أن المتن الروائي لديه لم يغادر المغرب أبداً، ولا ثقافته الأم التي شكّلت تجربته الروائية وكانت سبباً في تتويجه بجوائز عدة مرموقة أهمها "غونكور". نعرف جيداً أسباب هذا الخوف، ولكنّ طرق التعبير عنه تختلف من كاتب لآخر، المفكر الرّاحل مالك شبل، أرعبته أحداث الحادي عشر من سبتمر، وقد قرأ أبعاد ما سيليها من مخاوف وأهوال، فسارع مدفوعاً بخوفه إلى ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية في طبعة جديدة، بلغة سهلة قريبة من أغلب المستويات، منبّهاً إلى أن الشباب هم أكثر من يجب أن يفهموا القرآن، والتراث الإسلامي بشكل صحيح. شبل المختص في علم النفس السريري والأنثروبولوجيا رأى الخوف والخوف المضاد في سلوك مزدوج منبعه لدى الطرفين يقوم على جهل ثقافة الآخر.. لكن السؤال الذي يبقى معلّقاً: إلى متى سيبقى هذا الخوف؟