هل أنت شخص إيجابي بزيادة؟ "تغصب" نفسك على أن تكون إيجابيًا في كل الظروف ومع كل المشاعر؟، وتضع قناعًا من ابتسامات مزيفة حتى لا تكون الشخص الكئيب، صاحب الدم الثقيل في الجلسة؟ أم هل كنت مع أحدهم حين بدأ يعبر عن مشاعره السلبية فوجدت نفسك تقفز في وجهه - حتى قبل أن يُتم كلامه - قائلاً: «يا أخي لا تكون سلبي، خليك إيجابي؟!». إن كنت أحد هؤلاء، فأهلاً بك في نادي "الإيجابية السامة". يمكننا تعريف الإيجابية السامّة بأنّها الاعتقاد بأنه يجب على الناس الحفاظ على العقلية الإيجابية بغض النظر عن مدى صعوبة أو استحالة المواقف. إنه نهج "المشاعر الجيدة والإيجابية فقط". كما تُعرف بأنها التعميم الشامل والمفرط لمفهوم السعادة والتفاؤل ممّا يؤدي إلى حالة من النكران والتقليل من شأن المشاعر البشرية الفطرية الأخرى، كالحزن والألم والخيبة، وتجاهل، وإخفاء قيمة مشاعرك الحقيقية التي تشعر بها في لحظة معيّنة، والإحساس بالسوء أو الخجل أو تأنيب الضمير تجاه مشاعرك الحالية. وارتداء قناع مزيّف أمام الآخرين لإخفاء مشاعرك الحقيقية والتظاهر بأنّ كلّ شيء على ما يرام في الوقت الذي لا يكون فيه كذلك، والتقليل من شأن مشاعر الآخرين والاستهزاء بها، والإساءة للآخرين لأنهم يحسّون بمشاعر سلبية، والاستهانة بتجارب الآخرين وعدم الاعتراف بأنّهم يعانون من مشكلة حقيقية. يجب أن نعي أن الإيجابية المفرطة لن تكون مفيدة حينما تدفع الأفراد للشعور بالعار وتأنيب الضمير، وأن لا قيمة لهم بسبب شعورهم على نحو معيّن. الأمل لن يكون مفيدًا حينما يقف في وجه الإحساس الطبيعي بالمشاعر المختلفة، أو حين يتجاهل حدّة الموقف وشدّته، وعلى الرغم أن المشاعر السلبية غالبًا ما تكون مكروهة ومؤلمة ويصعب التعامل معها، إلا أنها مهمة في الحياة ويجب الشعور بها والتعامل معها بصراحة وصدق لتحقيق التوازن في الحياة. الحياة معادلة رياضية، ومن أجل الحصول على أجمل ما فيها عليك أن تعرفَ كيفَ تُحوِّلُ السالبَ إلى الموجب، وكيف وصلَ الإفراطُ في الموجبِ إلى السُّم الذي يلوِّثُ أعماقنا بدلاً من ذلك النسيج من الألوان المشرقة والشعور المريح والغريب. فالإفراط في الإيجابية إلى الحد الذي يؤدي إلى إنكار المشاعر والتجارِب الإنسانية التي نمرُّ بها وتُستُّرُنا عن الشعور الحقيقي الذي يراوِدُنا. كلُّ ذلك يتحول إلى مولِّد سامّ يهيجُ عدوًّا مُقاومًا يرفضُ أيَّ وجودٍ للمشاعرِ السلبيّة حتى يقمعَ جميع العواطفِ من الداخل فينعكس سلبيًا على ذاتنا، وأهم طرق اكتشاف الإيجابيّة السامّة: الحياة اليومية وذلك من خلال شعورك بالذنب لمرورك بحالة سيئة، ووصَمُ الآخرين عندما يعبِّرونَ عن مشاعرِهِم غير الإيجابية ونصحهم بعدم إعطاء الأمور أكبر من حجمها فيما يتعلق بحزنهم بدلاً من التحقق من مشاعرهم؛ فعليك أن تواجه هذه التصرفات بردود بديلة فمثلاً تستخدم جملة: (صف ما تشعر به وأنا أنصت لك) بدلًا من قولك (لا تفكر في الأمر وكن إيجابيًا دائماً). في الحقيقة أنه من الجيد أن نكون إيجابيين وبلا شك إن التفاؤل والتفكير الإيجابي له فوائده، ونعلم جميعًا أن امتلاك نظرة إيجابية للحياة أمر جيد للصحة العقلية والنفسية؛ لكن الحقيقة في ذلك هي أن الحياة ليست دائماً إيجابية. فلا يوجد إنسان لم يتعامل قط مع المشاعر والتجارب السلبية والمؤلمة، فالإيجابية الدائمة ليست صحية، لأنها ستتحول إلى إيجابية سامة ترفض كل المشاعر السلبية والصعبة لصالح واجهة مبهجة واحدة هي المشاعر الإيجابية، وغالبًا ما تكون إيجابية بشكل خاطئ، بمعنى يتوهم للإنسان أنها إيجابية. لماذا تُعتبر الإيجابية السامة ضارة؟ تعتبر الإيجابية السامة ضارة على الإنسان لأنها تحرمه من الدعم الحقيقي الذي نحتاجه جميعاً، وبدلاً من القدرة على مشاركة المشاعر الإنسانية الحقيقية يجد الناس أن مشاعرهم مرفوضة أو متجاهلة تماماً. فنجد الشخص الحزين مثلاً يشعر بالخزي مما يعاني منه، وأنه لا يملك الحق في أن يشعر ببعض المشاعر السلبية ويتعين عليه إبدالها بأخرى إيجابية طوال الوقت، مما يتسبب في تفاقم الألم مع مرور الزمن. كما تعيق الإيجابية الزائفة صاحبها من النضج والنمو واكتساب الخبرات من المواقف الصعبة التي يمر بها. أظهرت دراسات أن إخفاء مشاعرنا يمكن أن يسبب ضغوطاً نفسية كبيرة، وإضفاء السعادة على الأشياء يمكن أن يكون له تأثير أعمق على نفسيتنا، مما يعبث بقدرتنا على تنظيم عواطفنا. كيف تتجنب الإيجابية السامة؟ إذا كنت ممن يتخذون نهج الإيجابية السامة أو ممن يعانون منها فهناك بعض أشياء التي يمكنك القيام بها لاتخاذ نهج أكثر صحة وفاعلية، وتتضمن بعض الأفكار ما يلي: اسمح لنفسك بالشعور ببعض المشاعر السلبية دون إنكارها وغمرها بالإيجابية، ودون تركها للسيطرة على حياتك أيضاً. كن واقعياً بشأن استيعاب ما تشعر به، فعندما تواجه موقفاً عصيباً فمن الطبيعي أن تشعر بالتوتر أو القلق أو الخوف، ولا تتوقع غير ذلك من نفسك حتى لا تصاب بالخذلان أو تلقي باللوم على نفسك لما تشعر به. اعلم أنه لا بأس أن تمر بأكثر من شعور في الوقت نفسه، فيمكن أن تدرك المعنى وراء الأزمة التي تمر بها، وفي الوقت نفسه لا تزال تشعر بالحزن أو التوتر. ركز على الاستماع والتعاطف عندما يبوح لك شخص عما يشعر به، وأظهر الدعم له بقدر ما تستطيع، وأخبره أن ما يشعر به أمر طبيعي، ولا تحاول إسكاته أو تزيين مأساته بعبارات مبهجة. وفي حال كنت أنت الشخص الذي يتعرض للإيجابية السلبية تقترح تابيثا كيركلاند الأستاذة في قسم علم النفس بجامعة واشنطن أن تعبر عن احتياجاتك بشكل واضح وصريح، وإعادة التأكيد على نيتك للمحادثة بالقول على سبيل المثال إنك تبحث عن التعاطف بدلاً من النصيحة. سليمان الباهلي