يصاب البعض بشيء من الانزعاج والرعب من نتائج نجاحات الآخرين، ويظن بأن ذلك النجاح إما حظ وصدفة أو مطبوع بقدراته الشخصية التي تولد مع الإنسان، فيصيبه اليأس نتيجة ذلك التحليل الخاطئ أو تتضخم في نفسه عملية تحقيقه لتلك الغاية، وهذا يتنافى مع مبدأ أن العلم بالتعلم، أياً كان هذا العلم، مهارة أو معرفة أو طريقة، ويتعارض مع مقولة إن الناس لا يولدون علماء أو خبراء أو ناجحين، بل هناك أسباب ونتائج، ومحاولات ونجاحات. فبركات المحاولة، قد لا يجني ثمارها الإنسان في بداياته، ولكن ثمارها مقطوفة لا محالة مع الوقت، ويكفي بأنه طريق لصقله وتدريبيه، فالمحاولات عبارة عن فرص تحسين الأداء، ورفع للكفاءة الشخصية في أي مجال، وترسيخ لمبدأ الثقة بالنفس باستحقاقها لفرصة نتيجة ثباتها، وتوسيع خبرتها فيما تحاول النجاح فيه. ومن بركات المحاولة، الشعور بطعم النجاح ولذته وهو ما يسمى (هرمون الدوبامين)، وأنه أتى بعد مشوار من الجهد والمثابرة والكفاح، وأن الفرق بين العادي والمثابر هو عدد مرات المثابرة (المحاولة)، فالشخص العادي قد لا يصمد أمام مرات المحاولة، وقد يراها عبارة عن فشل، بينما المثابر يرفع إرادته وصموده إلى أعلى درجة ممكنة، ويرى المحاولات المتتالية عبارة عن تجارب أتيحت له ليتعلم ويتدرب، فلا يفقد طاقته وإصراره، وهو الذي عبر عنه ونستون تشرشل القائد رئيس الوزراء البريطاني: «النجاح هو أن تنتقل من فشل إلى فشل آخر دون أن تفقد حماسك». ومن بركات المحاولة، النظرة الإيجابية التي يحترمها الآخرون للشخص المثابر، الذي أصبح نموذجاً فذاً ورائعاً وملهماً لغيره، بصبره وإصراره وتفاؤله وثباته، وكأنه يقول الطريق متاح ولا يوجد أمر مستحيل ولكن هناك تحديات ومصاعب، ولا يعني بأن المثابرة والمحاولة قد تكون في أمور خاصة دون غيرها. فقد تكون المحاولات، في اكتساب عادات جديدة من قراءة أو رياضة أو سلوك أو مهارات، فالذي نجح في فريق العمل سبقه في ذلك مرات محاولة قد يكون نجح في بعضها وأخفق في أخرى، ولم يكن قادراً في السابق على الوصول لهذا المستوى من القيادة الملهمة لولا تلك المحاولات السابقة، والكاتب الذي يكتب باحتراف سبقها مرات ومرات من المحاولات التي صقلت موهبته، والمعلم الذي يؤدي درساً في أول أيام تدريسه سيختلف أداؤه بعد مدة من الممارسة والتدريب والتطوير، والمحامي الذي بدأ حياته طالباً ثم متدرباً ستؤدي محاولاته في المرافعات المتتالية ليصبح متمكناً قادراً في مهنته. والنجاح الذي يأتي بعد محاولات قليلة، قد لا يوصل الطامح في النجاح لنجاحه، ولو كان الأمر بهذه السهولة لنجح الجميع، ولكن تلك المحاولات المتراكمة أسفرت عن ذلك النجاح المستحق بعد توفيق الله تعالى، وهذه تكفي لمعرفة بركات المحاولة.