لو كنت تملك الرغبة في النجاح فقد قطعت نصف الطريق نحو النجاح، ولو كنت لا تملك الرغبة فقد قطعت نصف الطريق نحو الفشل.. هناك مقولة مشهورة للسياسي البريطاني ونستون تشرشل يقول فيها: النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل دون أن نفقد الأمل، وعندما تتصفح سيرة أي باحث أكاديمي أو مجموعة بحثية لن تجد إلا علامات النجاح، وفي علوم الكمبيوتر مثلاً تجد البحث عبارة عن فكرة ثم تصميم تجارب لإثبات صحة الفكرة أو التصميم ثم عرض نتائج التجارب والتي تثبت نجاح الفكرة وكل خطوات البحث منطقية، حيث كل خطوة تتبع منطقياً الخطوة التي قبلها حتى تصل إلى النتيجة المرجوة.. ولكن كل ذلك لا يعبر عن الحقيقية. كل خطوة من خطوات البحث العلمي بل والتقدم التكنولوجي مليئة بالخطوات الفاشلة من أول اختيار فكرة البحث وحتى تصميم التجارب، ولكننا نرغب في أن نبدو ناجحين حتى لا تهتز الثقة، ولكن يجب أن نعترف أننا في عالم مادي، والواقعية مهمة (وإلا ما كانت هناك علاقات عامة وتسويق...)، فإن لم نفعل شيئاً وتركنا كل شيء على عواهنه سيحدث أمران: لن تتعلم من الفشل ولن يتعلم الآخرون من فشلك. أي باحث أو طالب علم يجب أن يكون عنده استراتيجية للتعلم من الفشل حتى يستفيد منه في المستقبل، وهذه الاستراتيجية نفسها تجعل الآخرين يتعلمون من فشله، مثلاً لماذا لم تنجح هذه الفكرة؟ هل هناك عوامل قد تجعل هذه الفكرة ناجحة؟ ما مؤشرات نجاح فكرة معينة؟ ما التجارب التي يجب عملها حتى نقيس مؤشرات النجاح؟ لماذا كانت نتائج التجربة مخيبة للآمال؟ هل هذه النتائج المخيبة تعطينا أفكارا لتجارب أخرى؟ أو يمكن أن تكون هذه النتائج عوامل نجاح لفكرة أخرى؟ ... والكثير من الأسئلة التي إن فكر فيها الباحث لتعلم منها الكثير. يوجد مقال مفيد في مجلة Harvard Business Review العريقة (عدد إبريل 2011) بعنوان" Strategies for Learning from Failure" أو (استراتيجيات للتعامل مع الفشل) وأهمية هذا المقال أنه يدرس تلك الاستراتيجيات في مجال الشركات العملاقة، وهذه الشركات بالتأكيد تعاني من تجارب كثيرة فاشلة ولكنها يجب أن تتعلم منها حتى تقدم للعالم منتجات أو خدمات أفضل ومن ثم تكسب سوقاً وإذا حاولت التقليل من التجارب الفاشلة عن طريق التقليل من عدد التجارب (أو "اللعب في المضمون" كما يقال في اللفظ العامي) فلن تبتكر جديداً وستخسر في لعبة السوق.. الباحثون والعلماء والدول يحتاجون نفس الاستراتيجية ولكل مؤشرات نجاحه، من العوامل التي يناقشها المقال المذكور أعلاه هو صنع ثقافة التشجيع على الابتكار والفشل وعدم الخجل من ذلك فلكي تبتكر الجديد يجب أن تعرف أنك ستجابه الفشل عدة مرات وهذا ليس عيباً. في مثال شجاع للتعامل مع الفشل نشر البروفسير جوهانس هوشوفر Johannes Haushofer أستاذ علم النفس من جامعة برينستون سيرة ذاتية الفشل، حيث ذكر جميع المنح التي فشل في الحصول عليها والأبحاث التي رفضت من المجلات، وذلك تشجيعاً للناس على التعلم والتعامل مع الفشل وعدم الخجل منه. يقول ديفيد امبروس: لو كنت تملك الرغبة في النجاح فقد قطعت نصف الطريق نحو النجاح، ولو كنت لا تملك الرغبة فقد قطعت نصف الطريق نحو الفشل. لذلك يجب أن نعلم أطفالنا ثقافة التجربة والفشل والتعلم من التجربة حتى تنضج خبراتهم وتتوسع مداركهم.