يبدو أن أزمة البرلمان الجزائري لم تتوقف عند حد طلب وزارة العدل سحب الصفة النيابية من أحد النواب بسبب عمله في إحدى الوحدات بالجيش الفرنسي في سنوات سابقة، حيث أخطر رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة العليا للبرلمان) 66 نائبا بوجودهم في حالات تنافي العهدة النيابية بعدما حصلت السلطات على وثائق من السجلات التجارية تثبت استمرار قيدهم في سجلات تخص أنشطة اقتصادية وشركات ومحال تجارية، ما يهدد بفقدانهم مناصبهم في حال عدم تسوية أوضاعهم. وينص الدستور الجزائري على أنه يُمنعُ الجمع بين العهدة النيابية وأي مهام أو وظائف أو ارتباطات أخرى ذات طابع ربحي، ويلزِمُ النائب بضرورة التفرغ الكامل للعمل البرلماني. وعقد رؤساء الكتل النيابية بالمجلس الشعبي الوطني اجتماعا مع رئيس المجلس، إبراهيم بوغالي، لمناقشة وضعية النواب الذين باتوا مهددين بفقدان مقاعدهم النيابية بسبب حالة التنافي وتعارض المصالح بين المهمة النيابية واستمرار امتلاكهم أقساطا في شركات أو محال تجارية مقيدة بأسمائهم، وهذا بُغية احتواء قضيتهم التي بدأت تأخذ أبعاداً خطيرة. وأفاد مصدر إعلامي محلي إلى أن النواب بدوا مصممين على تسوية الملف داخليا، رغم البعد الذي أخذته القضية والتي حاول البعض ربطها بالصراعات السياسية، مستندين في ذلك إلى كون قضية التنافي والقراءة القانونية الجديدة التي جاء بها المجلس لم تكن مطبقة في العهدات السابقة، وهي التساؤلات التي طرحها رؤساء الكتل على رئيس المجلس في اللقاء المغلق الذي جمعهم، وأشار ذات المصدر إلى أن رؤساء الكتل طالبوا رئيس المجلس، إبراهيم بوغالي، بضرورة تسوية الملف دستوريا، لا سيما أن عدد المعنيين بحالات التنافي ليس قليلا، معتبرين أن المراسلة الموجهة للنواب بخصوص تسوية وضعيتهم أمام السجل التجاري وإدراج كلمة الشريك في الموضوع قد أخلط الأوراق، فالكثير من النواب يملكون صيدليات وعيادات وليسوا مسيرين، وإنما شركاء فقط، وهذا لا يتنافى مع الدستور، حسب المتحدثين. كما أكد مصدر إعلامي آخر عن مصادر نيابية حضرت الاجتماع أن الاجتماع ناقش بعض الحالات التي تعد فيها الكتل النيابية أن النواب المهددين بفقدان مقاعدهم يتعرضون للظلم، حيث رفضت رئاسة البرلمان قبول توكيلات من قبلهم لأشخاص آخرين لتسيير أنشطة تخصهم، ما يفرض عليهم غلق السجلات بالأساس، فضلاً عن مشكلات بعض النواب الذين يحوزون أقساطا في أنشطة عبارة عن حصص موروثة رفقة أشقائهم، والذين رفضت رئاسة البرلمان تفهم وضعيتهم وفرضت عليهم بيعها أو التخلي عن المقعد النيابي. هذا وشدد الخبراء على أنّ المسار الوحيد أمام هؤلاء النواب في حال استمرار الخلاف هو اللجوء إلى المحكمة الدستورية للفصل في قضيتهم، على اعتبار أن طلب بعض نواب الكتل بتوجيه رسالة لرئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون كخيار أخير للتدخل وإيجاد آلية قانونية لهذه القضية لن يأتي بأي جديد مرجحين أن تبون ينأى بنفسه عن التدخل في عمل الهيئة التشريعية. النصوص القانونية وبحسب المادة السادسة من القانون المحدد لحالات التنافي يتعين على عضو البرلمان الذي أُثْبِتَتْ عضويته أن يودع تصريحا لدى مكتب الغرفة المعنية خلال الثلاثين يوما الموالية لتنصيب أجهزتها يذكر فيه العهدة أو الوظائف أو المهام أو الأنشطة التي يمارسها ولو بدون مقابل، كما يتعين على عضو البرلمان الذي يقبل أثناء عهدته البرلمانية وظيفة أو مهمة أو نشاطا التصريح بذلك خلال الأجل نفسه، ويحال التصريح على لجنة الشؤون القانونية التي تبدي رأيها بشأنه في أجل لا يتعدى 15 يوما من تاريخ إخطارها، وفي حال ثبوت التنافي يبلغ المكتب النائب بذلك ويمنحه مهلة ثلاثين يوما للاختيار بين عهدته البرلمانية أو الاستقالة. كما تنص المادة التاسعة من ذات القانون على أنه "في حال عدم قيام عضو البرلمان بالتصريح المنصوص عليه وانقضاء الآجال المحددة مع استمرار حالة التنافي يعتبر العضو المعني مستقيلا تلقائيا، ويعلن عن شغور المقعد في أجل 30 يوما من انقضاء الأجل ليتم استخلافه".