يعيش البرلمان الجزائري هذه الأيام على صفيح ساخن، حيث راسلت وزارة العدل المجلسَ الشعبي الوطني (الغرفةَ السفلى للبرلمان)، وطلبت منه سحب الصفة النيابية من النائب "محمد بخضرة" المُنتخب في يونيو 2021 عن حزب الجبهة الوطنية الجزائرية والمُمَثّل للجالية الجزائريةجنوبفرنسا. ويعود طلب سحب الصفة النيابية، وفق ما أوردته إحدى الصحف المحلية، لخدمة النائب المعني في إحدى الوحدات بالجيش الفرنسي بصفة ممرض بين سنتي 2002 و2005 وأدى مهامًا خارج الأراضي الفرنسية. وعقب هذا الطلب، أصدر رئيس المجلس الشعبي الوطني تعليمةً منع بِمُوجبها النائب، بخضرة محمد، من دخول مبنى البرلمان. وبعد منعه من دخول مبنى البرلمان استمعت اللجنة القانونية، الموكل لها استقبال آراء النواب بخصوص حالات رفع الحصانة والتنافي، إلى توضيح من النائب عبر اتصال مرئي عن بعد، حيث أكد النائب أنه يرفض إجراءات رفع الحصانة عنه. ويفرض النظام الداخلي للبرلمان على لجنة الشؤون القانونية إبلاغُ النائب بطلب سحب الصفة النيابية وإسقاط عضويته في البرلمان، وتخيره بين التنازل الطوعي أو عرض القرار في جلسةٍ عامة للاقتراع السري من قبل أغلبية النواب. هذا ويجرّم القانون الجزائري التحاق المواطنين الجزائريين بالتنظيمات المسلحة خارج البلاد نظامية كانت أو غير نظامية، وينص على عقوبات في حال ثبوت التهمة. في سياق آخر، خلفت الزيارة الأخيرة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للجزائر والتي أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمطان لعمامرة، تساؤلات عدة بسبب توقيتها. وتزامنت زيارة لودريان مع انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية وقُرب بداية الجولة الثانية منها، التي ستنطلق في 24 أبريل الحالي، ولا يُستبعد أن زيارة لودريان كانت ذات صلة بالجولة الثانية للانتخابات الفرنسية بهدف طلب إسناد جزائري لصالح الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يطمح للفوز بعهدة ثانية، من خلال الجالية الجزائرية الكبيرة المقيمة في فرنسا، والتي تُعدّ أكبر الجاليات المغاربية، حيث تشير تقديرات غير رسمية بأن العدد الإجمالي لها يناهز 6 ملايين نسمة، ما يجعلهم يشكلون وعاء مغريا في حسم معركة صناديق الاقتراع، وفئة لا يمكن الاستغناء عنها، وهو ما كان فعله ماكرون بنفسه خلال زيارته إلى الجزائر قبل ترشحه في العهدة السابقة عام 2017. فمع كل موعد انتخابات رئاسية في فرنسا، تعود إلى الواجهة مسألة تأثير الناخبين الفرنسيين من أصول جزائرية في نتائج الاقتراع، على اعتبار أنهم الأكبر عددا مقارنة بباقي الجاليات الأجنبية الأخرى، وطيلة العقود الماضية عمد المتسابقون لسدة الحكم في فرنسا إلى مغازلة ذوي الأصول الجزائرية مع اقتراب موعد الانتخابات، ومنهم من يقوم بزيارات دعائية إلى الجزائر. ولاحظ مراقبون، انخراطا أقل من الجانب الجزائري، في العملية الانتخابية الفرنسية هذه السنة، سواء من حيث الزخم السياسي أو من حيث النقاش، مرجعين ذلك إلى الفتور الكبير الذي يخيم على العلاقات بين البلدين منذ أكتوبر 2021. بالإضافة إلى ذلك، جاءت زيارة لودريان هذه، وهي الثانية من نوعها في غضون ثلاثة أشهر، مباشرة بعد طلب الجزائر تأجيل زيارة رئيس الحكومة الفرنسية جان كاستيكس لها والتي كانت مقرّرة في 23 مارس إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا. ومن شأن الزيارة الأخيرة أن تعزز من مؤشرات انتهاء الأزمة والتوتر الدبلوماسي الذي شهدته العلاقات الجزائرية الفرنسية في أكتوبر 2021، بسبب تصريحات مثيرة للجدل أطلقها الرئيس ماكرون بحق تاريخ الجزائر.