وصفت الانتخابات النيابية اللبنانية، للمرة الاولى منذ عام 1992، بالنزاهة التي دفعت بها الى تحقيق مكاسب لمرشحين معارضين، والى خسارة حلفاء وثيقي الصلة بالسلطة اللبنانية، والى سقوط حلفاء لسورية اعتبروا حتى وقت قريب انهم في صلب الطبقة السياسية. لكن المفاجأة كانت في خسارة رئيس الوزراء سليم الحص ولائحته التي تضم ثلاثة وزراء، فيما كان الانقلاب اجتياح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري 18 من المقاعد ال19 لبيروت. حدث كل هذا من غير ان تشعر السلطة اللبنانية، على وطأة الخسارة في بعض الدوائر، انها فقدت زمام السيطرة على الانتخابات النيابية. على ان هذه الانتخابات ما لبثت ان احيطت بانطباعات متشعبة، غالى بعضها في الرهان على تغيير فعلي وجدي في الطبقة السياسية اللبنانية المنبثقة من تسوية الطائف منذ انتخابات 1992. على ان شيئاً من هذا لم يحصل. اذ للمرة الثالثة، بعد استحقاقي 1992 و1996، يصير الى تكريس توازن القوى في ادارة اللعبة الداخلية في البلاد، وخصوصاً من خلال مجلس النواب. اذ استمرت القوى السياسية داخل المجلس تتحكم بنصابه القانوني كإحدى وسائل الضغط. من مراجعة لنتائج انتخابات 2000 تتكشف المعطيات الآتية: 1- نشوء 13 كتلة نيابية متفاوتة الحجم، بعضها لا يزال يتسم بطابع اللائحة الانتخابية التي أمست كتلة برلمانية، والبعض الآخر فكك اللائحة الانتخابية، فتولدت من هذه كتلة برلمانية مستقلة بخياراتها وقراراتها عن المصالح التي تتجمع فيها كلائحة انتخابية. 2- تباين عدد أعضاء كل كتلة على نحو ملفت ليتراوح بين كتلة نيابية من عضو واحد ككتلة حزب الكتلة الوطنية، وبين كتلة من 22 نائباً كالتي يترأسها الحريري. 3- ظلت الكتل الاربع الرئيسية تسيطر على الغالبية البرلمانية، شأن كتلة الحريري بأعضائها ال22، وكتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري بأعضائها ال17، وكتلة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بأعضائها ال13، وكتلة نواب "حزب الله" بأعضائها ال12. ليبلغ مجموع النواب اعضاء هذه الكتل 64 نائباً، بنسبة 50 في المئةمن مجموع اعضاء البرلمان اللبناني ال128. 4- من مجموع النواب ال128 دخل 48 نائباً الى برلمان 2000، بينهم 11 نائباً سابقاً من انتخابات 1992، لتبلغ بذلك نسبة التغيير التي عرفها المجلس الجديد 5.37 في المئة، وهي نسبة الثلث تقريباً. فيما أعيد انتخاب 80 نائباً من البرلمان الحالي الذي تنتهي ولايته القانونية منتصف ليل 15 - 16 تشرين الاول أكتوبر المقبل. وهي نسبة متطابقة تقريباً وتلك التي عرفها مجلس النواب المنتخب عام 1996: سنتذاك أعيد انتخاب 79 نائباً من مجلس 1992، بينما انتخب 45 نائباً جديداً، بنسبة 15.35 في المئة، وأعيد انتخاب اربعة نواب من دورات انتخابية سابقة لدورة 1992. الا ان المفارقة في هذا الاحتساب ان انتخابات 1992 أوصلت، خلافاً للقاعدة التي سادت في ما بعد، 106 نواب جدد من مجموع 128 نائباً في محاولة رمت وقتذاك الى بناء الطبقة السياسية المنبثقة من تسوية اتفاق الطائف، سبيلاً الى ارساء توازن سياسي لبناني جديد برعاية سورية يسهر على استمرار هذه الطبقة، فلم يعاد انتخاب سوى 19 نائباً فقط من البرلمان السابق المنتخب عام 1972. لتغدو بذلك نسبة التغيير 82.81 في المئة عام 1992. 5- خرج من مجلس النواب حزبان يجمعهما التحالف مع سورية ويباعد بينهما كل شيء آخر: - حزب الوعد، الحزب اليميني القائل بالانفتاح، برئاسة النائب الياس حبيقة الذي وُزّر خمس مرات على التوالي في عهد الرئيس الياس الهراوي، وخسر معه نائب الحزب جان غانم. وهما يخرجان للمرة الاولى منذ وصلا الى البرلمان عام 1992. علماً ان حبيقة اعتبر على امتداد العقد الفائت من "الثوابت" السياسية التي حفظت لها دمشق مواقعها في السلطة. - "الجماعة الاسلامية"، التنظيم الاسلامي الاصولي. وهو خسر في انتخابات 2000 آخر مقعد له بعدما سجل انهياراً مضطرداً في فقدانه مقاعده. بلغ مجلس النواب للمرة الاولى في انتخابات 1992 بثلاثة مقاعد نيابية في بيروتوطرابلس والضنية، ما لبثت ان تراجعت الى مقعد واحد في عكار في انتخابات 1996، ليخرج مع الانتخابات الاخيرة نهائياً من مجلس النواب. اذ لم تنجح الائتلافات الانتخابية التي عقدها هذا التنظيم في المحافظة على وجوده السياسي داخل المجلس. وهو ثاني تنظيم أصولي يخسر مقاعده بعد "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" التي فازت في انتخابات 1992 بمقعد واحد في بيروت عدنان طرابلسي، ثم خسرته على التوالي في انتخابات 1996 ثم في الانتخابات الاخيرة. 6- توزعت حصص الكتل البرلمانية الصغيرة كالآتي: - حزب البعث ربح مقعداً نيابياً جديداً في الجنوب لقاسم هاشم في لائحة بري يعزز به المقعدين اللذين شغلهما عام 1996 بنائبيه عاصم قانصو بعلبك - الهرمل وعبدالرحمن عبدالرحمن عكار. - الحزب السوري القومي الاجتماعي تراجع عدد مقاعده من خمسة الى اربعة بعدما خسر غسان مطر مقعد الحزب في بيروت. فتستقر حصة الحزب على اربعة مقاعد لغسان الأشقر المتن وأسعد حردان الجنوب ومروان فارس بعلبك - الهرمل وسليم سعادة العائد مجدداً الى البرلمان من الكورة بعدما كان فقد هذا المقعد في انتخابات 1996. - استعاد حزب الكتائب وجوده في مجلس النواب مذ قاطع هذا الاستحقاق في انتخابات 1992، ببضع مفاجآت اوصلت ثلاثة من مرشحيه الى البرلمان. في دائرة بعبدا - عاليه تحالف مع جنبلاط ففاز مرشحه أنطوان غانم، وفي المتن باغت بيار الجميّل نجل الرئيس أمين الجميّل بفوز كبير في هذه الدائرة على رغم ترشحه منفرداً فيها في مواجهة لائحتين خاضتا معركة انتخابية شرسة هما لائحة وزير الداخلية ميشال المر ولائحة النائب المعارض نسيب لحود. على ان بيار الجميّل كان يردد لأسابيع خلت قبل يوم الاقتراع انه يترشح بغية تسجيل موقف سياسي فحسب يرمي من خلاله الى اظهار قوة انتخابية من خلال القاعدة الحزبية المدينة الولاء لوالده الرئيس السابق للجمهورية والمنفصلة عن القيادة الحزبية. لكن عودة الجميّل الأب الى بيروت في نهاية تموز يوليو قلبت المعطيات الانتخابية في المتن رأساً على عقب، بفعل استقطابه القاعدة الحزبية، فتحت الباب عريضاً أمام تحول الجميّل زعيماً مسيحياً في بلد يفتقر الى قيادة مسيحية مجرّبة. ولهذا كان ثمن فوز بيار أمين الجميّل، بمقعد ماروني في المتن باهظاً للقيادة الكتائبية بأن خسر رئيس الحزب منير الحاج، المرشح في لائحة المر، مقعداً محتملاً له. فيستعيد بذلك سابقة خسارة سلفه في رئاسة حزب الكتائب جورج سعادة في انتخابات 1996 بترشحه على لائحة الائتلاف بين الرئيس عمر كرامي والوزير سليمان فرنجية. وهي سابقة بدت قاسية بنتائجها السياسية المحلية على حزب يحاول النهوض بخيارات جديدة ترمي الى التقرّب من سورية بإزاء معارضة القاعدة الكتائبية خطوات كهذه. أما النائب الثالث فهو نادر سكر، القريب من عدد من المسؤولين السوريين الذين شقوا الطريق امام ترشحه على لائحة "حزب الله" في بعلبك - الهرمل، بعد طول ممانعة، وما لبث ان استجاب في نهاية المطاف التعاون مع نادر سكر، لقاء اعطاء هذا الحزب مقعداً بديلاً من الذي حلّ فيه نادر سكر، هو أحد المقعدين المارونيين في جزين الذي حلّ فيه مرشح "حزب الله" جورج نجم. بذلك يكون لحزب الكتائب نائبان يدينان بالولاء للقيادة الكتائبية برئاسة الحاج هما نادر سكر وأنطوان غانم، ونائب ثالث هو بيار أمين الجميّل ممثل والده الرئيس الاسبق للجمهورية. علماً ان أنطوان غانم، في واقع الممارسة هو أقرب الى رجال الجميّل الأب في حزب الكتائب منه الى القيادة الكتائبية. - تلقى حزب الطاشناق ضربة قاسية بخسارته أربعة مقاعد في بيروت، لتقتصر حصته من جراء ذلك على مقعدين لسيبوه هوفنانيان المتن وجورج قصارجي زحلة. وهي الخسارة الأولى للحزب منذ انتخابات 1960. اذ غالباً ما شكل هذا الحزب على امتداد عقد الستينات مصدر قوة مرجحة في الدائرة الاولى لبيروت استناداً الى قانون الانتخاب الصادر عام 1960 كان يُعوّل عليه مؤسس حزب الكتائب بيار الجميّل في خوضه انتخاباته. ولذا قيل عن الدائرة الأولى انها مارونية على أرض أرثوذكسية بتمويل كاثوليكي وبأصوات أرمنية. لكن اصرار حزب الطاشناق - الذي طبع بموقف انه حزب السلطة اللبنانية في كل انتخابات نيابية - على تفكيك تحالفه الذي أرساه عام 1996 مع الحريري، دفع بالرئيس السابق للحكومة الى التحالف مع حزبين أرمنيين آخرين هما الهنشاك والرامغفار، ولينجح بتحالفه واياهما هذا بإسقاط المرشحين الاربعة لحزب الطاشناق وفوز الحزبين الارمنيين الآخرين بمقاعد الحزب. وهي خطوة كسرت هيبة حزب الطاشناق على انه أقوى القوى والأحزاب الأرمنية في لبنان تأثيراً وتنظيماً. فيخرج من السلطة مهزوماً بأصوات الكتلة الناخبة السنّية التي تدين بالولاء للحريري. والواقع ان الحزب منذ انتخابات 1996، في المتن خصوصاً، يواجه سلسلة اتهامات لانحيازه الى فرقاء لبنانيين دون آخرين، متخلياً بذلك عن دوره المحايد التقليدي في الصراعات السياسية اللبنانية. ولهذا السبب، نادراً ان لم يكن ابداً لم يترشح أرمني في مواجهة لوائح حزب الطاشناق حليف حزب الكتائب في الستينات حتى انفجار الحرب اللبنانية ومن بعده تسوية الطائف، فيتحول الحزب الى أداة في يد السلطة اللبنانية. - خسرت كتلة وزير الداخلية ميشال المر، الذي يفاخر في الغالب بقيادته انتخابات مدروسة بدقة وبتنظيم لا نظير له، نحو نصف اعضائها. تخلى المر عن المقعد الأرثوذكسي الثاني حلّ فيه في انتخابات 1996 راجي أبو حيدر ليضمن نجاح خصمه التقليدي والتاريخي في انتخابات المتن منذ عام 1975 ألبير مخيبر، وفقد مقعداً مارونياً بسبب فوز بيار أمين الجميّل كان رشّح له رئيس حزب الكتائب منير الحاج، وخسر شاكر أبو سليمان رئيس لجنة الإدارة والعدل من جراء نجاح نسيب لحود. بذلك يكون حصد المر من انتخابات 2000 ثلاثة مقاعد فقط بعدما كان يترأس كتلة برلمانية من خمسة نواب، واحتفظ معه بأنطوان حداد وإميل لحود نجل رئيس الجمهورية. ولا يدخل في حساب كتلته النيابية نائبا الحزب السوري القومي الاجتماعي غسان الأشقر وحزب الطاشناق سيبوه هوفنانيان. ومع المر تلقى ضربة قاسية في انتخابات المتن، الا انه نجح بمناورة بارعة في منع ولادة تحالف انتخابي خطير كان سيوجه ضده من خلال ائتلاف نسيب لحود وألبير مخيبر وبيار الجميّل. اذ ان فرصة خسارته مقاعد اضافية، في ظل هذا التحالف، كان من الممكن ان تشكل مجازفة خطيرة. فضَمَنَ لألبير مخيبر، عبر تعاون انتخابي غير معلن تغذى من خلاف مخيبر مع لحود على نتائج انتخابات 1996، المقعد الأرثوذكسي الثاني وحصر مواجهته الانتخابية بنسيب لحود ولائحته بعدما عزم بيار الجميّل على خوض الانتخابات منفرداً. ولعلّ وقع الخسارة على المر مبعثه الى كونه أولاً وزير الداخلية الذي يدير الانتخابات النيابية العامة، وكونه ثانياً واثقاً من فوز لائحته بكل مقاعد دائرة المتن. اذ للمرة الثانية بعد انتخابات 1996 ينجح نسيب لحود في خرق لائحة المر. - أما الكتل الانتخابية الصغيرة الباقية، فجديدة في معظمها: كتلة حزب الكتلة الوطنية بنائب واحد هو عبدالله فرحات الذي ترشح على اللائحة التي دعمها جنبلاط في دائرة بعبدا - عاليه. كتلة نواب كسروان - جبيل بنوابها الخمسة جورج افرام ونعمة الله أبي نصر ومنصور البون وفارس سعيد وناظم الخوري التي يصح فيها القول انها كتلة موالية لرئيس الجمهورية ان لم تكن كتلته البرلمانية، وكان أعضاؤها الثمانية في نطاق اللائحة الانتخابية وقّعوا ميثاق شرف بتحوّلهم كتلة برلمانية متماسكة ومتضامنة في حال نجاحهم الا ان ثلاثة منهم خسروا الانتخابات ابرزهم النائب المعارض كميل زيادة. "التكتل الطرابلسي" بنوابه الثلاثة محمد عبداللطيف كبارة ومحمد الصفدي وموريس فاضل الذين تسببوا بانهيار تحالف محتمل بين الرئيس عمر كرامي والوزير سليمان فرنجية بسبب رفض كرامي التعاون مع كبارة، لم يجاره فيه فرنجية. اذ ذاك حصل الانفصال بين الزعيمين الشماليين اللذين ترأس كل منهما لائحة انتخابية مستقلة. على ان حصيلة الانتخابات هزمت لائحة كرامي متحالفاً مع النائبة نايلة معوّض. وقد نجح منها الاثنان فقط: كرامي ومعوّض، فيما فاز الباقون من لائحة فرنجية متحالفاً مع الوزير نجيب ميقاتي. ولعل من الضروري الاشارة هنا الى ظاهرة تتصل بواقع انتخابات الشمال، تجسدت مجدداً في انتخابات الدائرة الثانية منها طرابلس، زغرتا، الكورة، البترون. فغالباً ما يخوض الشمال انتخاباته بلوائح كبيرة تُراعي توازن القوى فيه والعائلات والشخصيات المستقلة والاحزاب، وعندما تنطوي هذه الانتخابات يتفرق أعضاء اللائحة الانتخابية. وهذا ما حصل اخيراً مع لائحة فرنجية - ميقاتي بأعضائها ال17، اذ أفضت نتائج الاقتراع الى تشكيل كتلة انتخابية صغيرة برئاسة فرنجية جمعته وسايد عقل وفايز غصن وقيصر معوّض من دائرة الانتخابية وكريم الراسي ابن عمة فرنجية من لائحة دائرة عكار، بشري، الضنية. وهي حال فرنجية منذ انتخابات 1992 باكتفائه بنواة كتلة برلمانية من نائب بتروني ومن بعض نواب زغرتا. على ان أحداً آخر سواه، باستثناء التجربة الجديدة ل"التكتل الطرابلسي"، لم يُنشئ كتلة انتخابية شمالاً تتخذ مكانها بين الكتل النيابية الكبيرة في البرلمان على غرار تلك التي يترأسها بري او "حزب الله" او جنبلاط او الحريري، اذا كان من الضروري الأخذ في الاعتبار اهمية الائتلاف والتضامن الذي يجمع النواب الشماليين في اللائحة الانتخابية. 7- أما الكتل النيابية الكبرى، فالواضح من الأدوار المنوطة بها انها أضحت تشكل ما يسمى الدويلة الانتخابية الصغيرة والمتينة في الوقت نفسه: - من حصيلة التعاون الانتخابي في كل دوائر لبنان بين بري و"حزب الله" بنى كل من الفريقين كتلته البرلمانية المستقلة. لائحة بري بنوابها من الجنوب والنبطية والبقاع الغربي وبعلبك - الهرمل وبيروت تضم 17 عضواً بينهم ستة فقط من حركة "أمل" التي يترأسها رئيس المجلس، فيما الباقون يمثلون عائلات تقليدية جنوبية ذات الجذور في الانتخابات النيابية عبداللطيف الزين وعلي عسيران وسمير عازار. الا ان ثلاثة فقط من النواب ال17 هم النواب الجدد في كتلة بري، والباقون لا يزال معظمهم تقريباً مستمراً من انتخابات1992. وهو أمر يظهر الى حد بعيد الحيّز الضيق للتغيير الذي يجريه بري في عداد كتلته البرلمانية، وخصوصاً بالنسبة الى النواب المنتمين الى حركة "أمل". على ان بري الذي احتفظ في انتخابات 1992 ثم في انتخابات 1996 ب19 نائباً لكتلته البرلمانية، خسر في الانتخابات الاخيرة مقعدين: أحدهما شيعي صلاح الحركة مع انهيار الائتلاف الذي واجه لائحة جنبلاط في بعبدا - عاليه، والآخر ماروني جزين بسبب تخليه عنه ل"حزب الله" بعد ضغط سوري مباشر لرغبة دمشق في تعويض الحزب المقعد الماروني الذي خسره في دائرة بعلبك - الهرمل بسبب دعم المسؤولين السوريين ترشيح نادر سكر في هذا المقعد. مع ذلك يظل بري المرشح الوحيد لانتخابات رئاسة مجلس النواب في 17 تشرين الاول المقبل. أما نسبة حصة مقاعد كتلته في المجلس فهي 28.13 في المئة. - يخرج "حزب الله" من انتخابات 2000 بكتلة برلمانية من 12 نائباً، هو العدد نفسه الذي كان له عندما خاض تجربة الانخراط في الانتخابات النيابية للمرة الاولى عام 1992، الا انه خسر في الانتخابات التالية 1996 مقعديه في بعبدا وبيروت لتعثّر تحالفه مع بري في هاتين الدائرتين. في الانتخابات الاخيرة استعاد مقعدي بيروت محمد برجاوي وبعبدا علي عمار من ضمن الائتلاف مع رئيس المجلس. اما النواب الجدد في كتلة "حزب الله" في البرلمان تحمل اسم "الوفاء للمقاومة" فكانوا خمسة من النواب ال12، أبرز الخارجين من الكتلة رئيسها ابراهيم أمين السيد. على ان المكسب الاضافي الذي حصده الحزب هو تعديل حصته في الجنوب بزيادتها الى خمسة مقاعد أهمها المقعد الماروني في جزين جورج نجم. بذلك تكون نسبة مقاعد "حزب الله" في البرلمان اللبناني 37.9 في المئة، موزعة على الجنوب وبعلبك - الهرمل، الى بيروت وبعبدا. - اما جنبلاط الذي واجه انتخابات قاسية في بعبدا - عاليه بفعل حجم الائتلاف العريض الذي نافسه، وأخرى سهلة في الشوف، فنجح، بمعركتيه هاتين، في بناء كتلة برلمانية من 13 نائباً أتاحت له مدّ سيطرة انتخابية وسياسية على دائرة بعبدا - عاليه متحالفاً مع الحريري. كسب مقعداً درزياً في بيروت غازي العريضي في لائحة الحريري وثمانية مقاعد في الشوف، فضلاً عن نواب حزبيين في بعبدا وعاليه أيمن شقير وأكرم شهيب ونواب حلفاء في عاليه فؤاد السعد وبعبدا صلاح حنين. لتبلغ بذلك حصة جنبلاط في البرلمان 15.10 في المئة. الا انها حصة تعني كذلك من ضمن مجموع عدد نواب محافظة جبل لبنان ال35، نسبة 28.34 في المئة. الا انها نسبة ذات دلالة سياسية اكثر منها حسابية، خصوصاً عندما تنشأ من تحالف سياسي وانتخابي مع مَن اعتبرهم جنبلاط أعداء سياسيين له، كالرئيس أمين الجميّل وحزب الكتائب، وعوّل في حملته الانتخابية ضد اللائحة المنافسة التي تدعمها السلطة على أصوات ناخبيهما. اذ على نحو مماثل لوالده الراحل كمال جنبلاط، خاض الزعيم الدرزي معركته الانتخابية هذه في جبل لبنان الجنوبي. - يبقى الانقلاب المهم للحريري في سيطرته الكاملة على دائرة انتخابية كبيرة بمغزاها السياسي خصوصاً كبيروت. بعد انتخابات 1996 التي أعطت الحريري كتلة نيابية من 13 عضواً، بات يملك اليوم في بيروت مع حلفائه من نواب بعبدا باسم السبع والشمال أحمد فتفت ومصباح الأحدب وفريد مكاري والجنوب شقيقته بهية الحريري والشوف محمد الحجار 22 نائباً بنسبة 18.17 في المئة. وهي نسبة قياسية في تاريخ الانتخابات النيابية اللبنانية التي يحوز فيها سياسي واحد هذا العدد من نواب كتلته، وهذا المقدار من السيطرة الانتخابية والسياسية على العاصمة التي غالباً ما توزعت زعامتها على أكثر من بيت سياسي عريق كالرئيسين صائب سلام وعبدالله اليافي، ليشمل هذا التوزع ايضاً شخصيات بيروتية اخرى متفاوتة التأثير الأحجام في التمثيل السياسي كالرئيسين رشيد الصلح وشفيق الوزان وعثمان الدنا وسواهم. على ان الحريري باكتساحه كل مقاعد بيروت، أحدث سابقة خطيرة هي مقدرة زعيم بيروت على اقصاء زعامات اخرى شأن اسقاطه رئيس الوزراء سليم الحص والنائب تمام سلام. الا انه أحدث سابقة ايضاً في استقطابه الشارع السنّي برمته ليقترع للوائحه الثلاث في الدوائر الثلاث لبيروت، وبعض مرشحيه مجهولون استطاعوا باسم الحريري وبالمقدرة التجييرية للأصوات التي له، على اخراج الحص وسلام، كبيتين سياسيين عريقين بواسطة مرشحين مجهولين. - يبقى حساب النواب المستقلين في برلمان 2000، اذ يبلغ عددهم 35 نائباً بنسبة 34.27 في المئة من مجموع اعضاء مجلس النواب. وهي نسبة تقل عن الثلث الذي لا يكون في وسعه الاضطلاع بدور صمام الامان في مواجهة سطوة الكتل البرلمانية الكبرى. وهذا ما يعنيه بالضرورة مستقبل الحياة البرلمانية اللبنانية الموزعة الآن على ثلاث قوى: - كتل كبيرة من 64 نائباً بنسبة 50 في المئة من مجموع اعضاء مجلس النواب. - كتل صغيرة من 29 نائباً بنسبة 65.22 في المئة. - نواب مستقلون من 35 نائباً بنسبة 34.27 في المئة. لكن ما يمكن ان يشير اليه هذا الواقع ان الكتل الكبيرة وحدها باتت القادرة على الامساك بزمام ادارة اللعبة البرلمانية الداخلية بحيث أضحت وحدها ايضاً مصدر المشكلة وصمام الامان في الوقت نفسه، بحسب تقلّب الأدوار والمواقع والتحالفات، من غير اغفال حقيقة مهمة وضرورية، هي ان اكثر من نصف النواب المستقلين هم في الموقع السياسي المماثل لهذه الكتلة، صورة متطابقة عنهم. ولذا لن يكون من السهولة بمكان المجازفة بالرهان على ادوار مستقلة لكتلة النواب المستقلين هؤلاء - وهم واقعياً كتلة وهمية - عندما يقتضي الاختلاف مع الكتل الكبيرة. بالتأكيد ثمة اكثر من استثناء في صفوف هؤلاء. لكن غالب الأمر ان كل البرلمان اللبناني هو كتلة وهمية في لحظة ما. لحظة دائمة ومستمرة منذ انتخابات 1992