العشر الأواخر من شهر رمضان هي في العادة أيام الاستعداد لعيد الفطر، وهي أيام تسير جنباً إلى جنب مع أيام تكثيف العبادة وبذل الصدقات التي تزيد وتيرتها على الأيام العادية. في العشر الأواخر كانت ربة المنزل المدينية تهتم بتفقد ما ينقص المجلس من أثاث أو ترميم أو دهان، ليكون جاهزاً لاستقبال الزوّار من الأهل والأحباب، لتقديم التهاني بيوم العيد السعيد؛ لذلك لن تعدم وجود المنجد في كل حوش من أحواش المدينة لتنجيد المراتب والمخدات والمساند، التي سوف يجلس عليها المهنئون بالعيد. وفي ميدان الباب المصري، وكان صرة المدينة في تلك الأيام قبل إزالته ودخول أرضه في ساحات المسجد النبوي. كانت تنتشر في الأيام الأواخر من شهر رمضان في هذا الميدان، محلات بيع الحلويات بمختلف أشكالها ودرجاتها وطعومها، ومع هذه الحلويات أو إلى جانبها باعة "المرشات" وهي دوارق نحاسية صغيرة كانت تعبأ بماء الزهر، الذي يرشه رب المنزل أو ربته على زائريهم في يوم العيد. وإلى جانب ذلك تنتشر في هذا الميدان محلات لبيع الطاولات الخشبية الصغيرة، التي توضع عليها في ركن المجلس الحلوى ومرش ماء الزهر. الباب المصري كان يتحول في تلك الأيام إلى مهرجان، من بعد صلاة العشاء وحتى الهزيع الأخير من الليل، وكثير من زواره طلاب فرجة وليسوا أصحاب حاجات. هذا المهرجان الرمضاني الذي كان يشهده الباب المصري، كان يتكرر سنوياً في النصف من شعبان وكأنه تمهيد للاستعداد لشهر رمضان. النصف من شعبان كان اسم مناسبته "سيدي شاهن" والذي يستعد له الباب المصري أيضاً ببيع الفشار والحلاوة الحمصية والحلاوة الطبطاب والمشبك، من هو "سيدي شاهن" الذي كنا نحتفل به في منتصف شعبان من كل عام؟ الجواب حتى الآن مازال لغزاً! ومن يعرف "سيدي شاهن" الذي أصبح في ذمة التاريخ يدلنا عليه. وسوف نخرج من "الباب المصري" لندخل إلى أسواق سادت ثم بادت، منها سوق جوه المدينة وسوق العباية وسوق الشروق وشارع العينية، وكافة هذه الأماكن أو الأسواق، كانت في العشر الأواخر تعيش ما يعيشه الباب المصري في العشر الأواخر من شهر رمضان، وذلك لشراء ملابس العيد. وأكثر المقبلين على الملابس أو الأزياء التي تعرض في هذه الأسواق هم من الأطفال والنساء، أما الرجال فلهم محلات الخياطة والأحذية، التي كانت تجهز في محلات خاصة، ومن مطرزين أو معلمين معروفين. وكان أهلنا في تلك الأيام المباركة يشترون لنا قماش الثوب الذي نذهب به إلى الخياط لتفصيله ليكون جاهزاً في ليلة العيد. ومثلما كانت الأقمشة درجات حسب مستوى الأسرة كان الخياطون. لكن لابد أن تكون الملابس جاهزة في ليلة العيد لنحضر بها صلاة المشهد أو العيد، ولنزور بها بعد ذلك الأهل والأقارب. وكانت لكل حارة أو لكل مجموعة حارات يوم للعيد أو لأيامه الثلاثة. ولا يعم الهدوء التام شوارع المدينةالمنورة وغيرها من المدن، ألا عصر أول يوم من أيام العيد، من أجل ذلك قيل في أمثال المدينة: "ليالي العيد تبان من عصاريها!".