يستحق ملف العلاقة بين المدنيين والعسكريين في المشهد السياسي الباكستاني الاستقراء، على ضوء ما شهدته باكستان مؤخراً من انتقال للحكم عبر الطرق البرلمانية والدستورية وفي الأطر الديمقراطية، رغم ما حدث من تصعيد واحتجاجات واختراقات للدستور والأطر البرلمانية، حيث لعبت المؤسسة العسكرية دور المحايد بامتياز، ولم تتدخل في الشؤون السياسية، رغم مراحل التصعيد الخطير وغير المسبوق الذي شهدته ذروة الأحداث ليلة سقوط حكومة عمران في التاسع من الشهر الحالي وما قبله، إلا أن الجيش استمر في سياسة الحياد ودعم التزام الدستور وقرارات المحكمة، نائياً بنفسه عن التفكير السابق للمؤسسات العسكرية في السياسة. وجاء لقاء رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف مع قائد أركان الجيش الباكستاني الفريق قمر حياة باجوا وهو الأول منذ تقلد شهباز شريف؛ منصب رئيس الوزراء، لتأطير هذه العلاقة وضبط بوصلتها ووقف التداخلات في الصلاحيات وتنظيم مسارات العلاقة والتناغم بحيث تؤدي الحكومة أدوارها السياسية والحوكمة الإدارية، فيما يؤدي الجيش مهامه المتعلقة بالحفاظ على أمن واستقرار سلامة الحدود والسيادة والدفاع عن الباكستان. وبحسب مراقبين سياسيين فإن فترات التحول والانتقال والأزمات التي شهدتها باكستان مؤخراً غير ما كان يعرف عن الجيش في الماضي، وأصبح لدى صناع القرار في الجيش رؤية مختلفة للمعطيات السياسية، باعتبار أن تدخل العسكري في المجال السياسي شكل تحدياً كبيراً لإرساء الديمقراطية وأصبح هناك تفكير نوعي في دعم التحول الديمقراطي وتعزيز العلاقة المدنية - العسكرية. ورغم أن البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء بعد لقاء شهباز مع الفريق باجوا، كان مقتضباً كالعادة واكتفى بالقول إنه تم خلال اللقاء بحث "الأمور المهنية المتعلقة بالأمن القومي.. إلا أن مصادر موثوقة أوضحت أن رئيس الوزراء شهباز شريف قدم عرضاً موجزاً لمجريات الأحداث الماضية وطبيعة الحراك القادم لحكومته لإنعاش الاقتصاد، وإعادة الحكم الرشيد، فيما أكد الفريق باجوا دعمه للأطر الديمقراطية والالتزام بمبادئ الدستور واستمرار سياسة عدم التدخل في السياسة. وكانت تصريحات المؤسسة العسكرية والتي نفت وجود مؤامرة خارجية للإطاحة برئيس الوزراء المقال عمران خان؛ مدعومة من الخارج ودعم الجيش للمسار البرلماني الديمقراطي والالتزام بالدستور؛ قد قوبلت بالتقدير والاحترام من جميع الأحزاب السياسية في باكستان؛ كون موقف الجيش عكس حياده ودعمه للمسار الديمقراطي والأطر البرلمانية والدستورية. وحسمت المؤسسة العسكرية أحد أهم النقاط التي تم تداولها مؤخراً حول إمكانية تمديد فترة قائد أركان الجيش الفريق قمر باجوا لفترة؛ عندما أعلن المتحدث باسم الجيش بشكل واضح أن الفريق باجوا لا يرغب في تجديد فترة رئاسته والتي تنتهي في نوفمبر القادم. ويرأس المؤسسة العسكرية حالياً الفريق قمر جاويد باجوا، والذي تم تعيينه في هذا المنصب في 29 نوفمبر 2016. وقام عمران خان بالتمديد له لفترة واحدة. وتنهي فترة باجوا في نوفمبر القادم ومن المقرر أن يعين شهباز قائداً جديداً لأركان الجيش من ضمن أربعة مرشحين في أعلى التراتبية الهرمية. وشابت علاقة حكومة عمران مع الجيش توترات مع بداية العام عندما رفض عمران الموافقة على مرشح الجيش لمنصب رئيس الاستخبارات العسكرية الفريق انجم نديم وعطل الترشيح لفترة طويلة إلا أنه عاد واعتمد الاسم المرشح وهذا أدى لعدم ارتياح في أوساط الجيش. وكان خان قد أعرب علناً عن دعمه للفريق فيض حميد، لفترة ثانية كرئيس للاستخبارات العسكرية الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حليفه. وفي نوفمبر عام 2022، سيتعين على رئيس الوزراء اتخاذ قرارت مهمة: اختيار رئيس أركان الجيش الجديد (COAS) ورئيس لجنة رئيس الأركان المشتركة (CJCSC)، إذا لم يتم تمديد ولاية القائد العسكري الحالي الجنرال قمر جاويد باجوا، فسيتم اختيار COAS وCJCSC الجديدتين من بين كبار ملازم أول في الجيش الباكستاني. بعد تقاعد الجنرال باجوا، سيكون أكبر ضابط عسكري هو قائد الفيلق روالبندي اللفتنانت جنرال ساهر شمشاد ميرزا. وقد يرشح الجنرال لمنصب رئيس لجنة الأركان المشتركة أو قائد أركان الجيش.