شهدت أنطاليا بتركيا يوم الخميس الماضي لحظة اتفاق في الرأي نادرة بعد انتهاء مباحثات سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا ودميترو كوليبا وزير خارجية أوكرانيا. فقد اتفق الجانبان على أنه لم يتم إحراز أي تقدم جاد، وقال كوليبا إن" أوكرانيا قوية ونحن نقاتل، وعلى استعداد للسعي لحلول دبلوماسية متوازنة لإنهاء هذه الحرب لكن لن نستسلم"، ومن جانبه اعتبر لافروف الغزو، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" معركة حياة أو موت من أجل مكانة روسيا على الخريطة السياسية للعالم"، مؤكدا من جديد إشارات الكرملين السابقة بأن الرئيس فلاديمير بوتين لن يقبل ما هو أقل من استسلام أوكرانيا الكامل. وقال المحلل الأميركي مارك إبيسكوبوس في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية إنه أعقب اجتماع كوليبا ولافروف ما بدا أنه هجوم متجدد في أنحاء أوكرانيا شمل هجمات جوية على مجموعة من المدن غرب البلاد، وقصف مطار على بعد نحو 70 ميلا من الحدود البولندية، ومدرجا جويا في منطقة إيفانو فرانكفيتش غربي البلاد؛ ويقول الخبراء العسكريون إن هذه الهجمات جزء من جهود روسية منسقة لعرقلة شحنات الأسلحة الغربية المستمرة إلى أوكرانيا. وأشار إبيسكوبوس إلى أنه يبدو أن القوات الروسية على مشارف كييف تعيد تنظيم صفوفها للقيام بهجوم واسع النطاق؛ حيث يقول المسؤولون الأميركيون إن القوات الغازية أصبحت الآن على بعد تسعة أميال فقط من العاصمة. واستهدفت القوات الروسية مدينة دنيبرو ذات الموقع الاستراتيجي بهجمات جوية كجزء فيما يبدو من خطة روسية أوسع نطاقا لقطع الطريق بين القوات الأوكرانية وبين الأراضي الواقعة شرق نهر الدانوب. وقد صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤخرا أن هناك أكثر من 16 ألف أجنبي، من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) أساسا، تطوعوا للقتال ضمن "الفيلق الدولي" في أوكرانيا. وفي المقابل، أبلغ سيرجي شويجو وزير الدفاع الروسي بوتين خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي بأن الجيش الروسي تلقى أكثر من 16 ألف طلب للقتال مع روسيا في منطقتي دونيتسك ولوهانسك. ورحب بوتين بذلك طالما أنه على أساس التطوع وبدون مقابل مادي. ويواصل المسؤولون والسياسيون الروس، بما في ذلك بوتين ولافروف التأكيد على أن العمل العسكري الروسي في أوكرانيا يسير وفق الخطة. ومع ذلك، ما زال من غير الواضح معرفة خطة الغزو الأصلية فليست هناك جداول زمنية يمكن التحقق منها أو أي وثائق أخرى منشورة تدعم بالتحديد ما يهدف الجيش الروسي لتحقيقه في أوكرانيا ومدى سرعة ذلك. وبقدر ما قللت القوات الروسية الغازية من تقييم قدرة أوكرانيا على المقاومة، فإنها لم تكن وحدها بالنسبة لذلك. فقد توقعت مصادر المخابرات الغربية في الشهور التي سبقت الغزو سقوط كييف في خلال يومين. ويزعم الخبراء العسكريون الروس أنه يتم عمدا إبطاء سير العملية للحد من الأضرار الجانبية. ويقول إبيسكوبوس إنه مع ذلك هناك دلائل على أن القوات الروسية الغازية تواجه مقاومة كبيرة على الأرض. وتزعم الحكومة الأوكرانية أنه تم قتل 12 ألف جندي روسي منذ بداية الغزو؛ وأعلن البنتاغون عن عدد يتراوح ما بين ألفين وأربعة آلاف. من ناحيته، أعلن المتحدث العسكري الروسي في الثاني من الشهر الجاري مقتل 498 جنديا روسيا ومقتل 2870 جنديا أوكرانيا في نفس الفترة. ولم تنشر الحكومة الأوكرانية أرقامها الخاصة بالضحايا. وزعمت وزارة الدفاع الروسية مرارا وتكرار خلال الأسبوع الماضي أنها حققت تفوقا جويا في أوكرانيا، لكن المسؤولين العسكريين الأميركيين يقولون إن السلاح الجوي الأوكراني يحتفظ بحوالي 80 % من الطائرات ذات الأجنحة الثابتة. ويقول خبراء غربيون إن المجهود الحربي الروسي يواجه عرقلة من جانب مجموعة من النواقص التشغيلية، واللوجيستية، والمخابراتية، والقيادة والتحكم. ومع ذلك، يرى آخرون أنه من الممكن أن يكون الكرملين قد أعطى الأولوية لافتراضاته السياسية وليس للاستراتيجية العسكرية السليمة. فقد صور بوتين العملية على أنها تهدف ل"تحرير" الشعب الأوكراني من "عصابة النازيين الجدد ومدمني المخدرات" الذين أخذوا الشعب رهينة. وربما تكون موسكو قد وقعت ضحية افتراض على أساس أيدولوجي بأن الحكومة في كييف، التي تشلها عدم الشعبية وعدم الولاء بين صفوفها العسكرية، ستضطر للاستسلام في المراحل الأولى من الغزو، وأن القوات الروسية الغازية سوف تلقى ترحيبا كبيرا في المدن الكبرى بأوكرانيا باعتبارها قوات تحرير لها. وباختصار، ربما انخدعت موسكو بتأكيدها أن هذه ليست حربا حقيقية ولكن مجرد "عملية عسكرية خاصة" للاطاحة بقيادة أوكرانيا وفرض تغيير في النظام. ومع دخول الحرب أسبوعها الثالث، يبدو أن القوات الروسية تعيد تخندقها وتعديل تكتيكاتها قبل خوض حرب مطولة واسعة النطاق تشمل كل أوكرانيا، وليس فقط وسط البلاد والمناطق الشرقية. وتظل آمال التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض ضئيلة للغاية، وكذلك إمكانية إرغام موسكو على تغيير مسارها من خلال أي عدد من العقوبات أو النكسات في أرض المعركة. واختتم إبيسكوبوس تقريره بالقول إن الكرملين أوضح أنه مصمم تماما على فرض حل عسكري في أوكرانيا، مهما كان العدد المتزايد للقتلى، والتكاليف الباهظة للاقتصاد الروسي، وإبادة المدنيين في أوكرانيا.