احتفلت المملكة العربية السعودية قبل أيام حكومة وشعباً بيوم التأسيس الذي اعتمد رسمياً بأن يكون بتاريخ 22 فبراير من كل عام، مجسدة بذلك اللحمة الوطنية العظيمة بين القيادة والشعب، والتي أثمرت عن ديمومة واستدامة الدولة السعودية لفترة زمنية تخطت عمرها الثلاثة قرون منذ أن تم تأسيس الدولة السعودية الأولى في شهر فبراير من عام 1727 على يد المغفور له بإذن الله الإمام محمد بن سعود -يرحمه الله-، ومن بعده تأسست الدولة السعودية الثانية على يد الأمير تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود -يرحمه الله- وصولاً للدولة السعودية الثالثة التي أرسى قواعدها الثابتة والقوية والمتينة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه). هذا التسلسل التاريخي الرائع والسلس، النوعي والفريد للدولة السعودية، قادها وأوصلها إلى ما هي عليه اليوم من تقدم وعز وفخر ورفعة ومنعة، وبطبيعة الحال لقد كان للملوك أبناء الملك عبدالعزيز البررة من بعده، بدءًا من الملك سعود -رحمه الله- ووصولاً للملك سلمان -يحفظه الله-، دور مهم وأساسي فيما وصلت إليه الدولة السعودية المعاصرة اليوم من تقدم حضاري مبهر شد انتباه العالم، بما تحقق من إنجازات حضارية نوعية غير مسبوقة، وبالذات خلال الخمس سنوات الماضية، وبتحديد أكثر وأدق منذ انطلاقة رؤية المملكة 2030 المباركة في 25 إبريل 2016 بقيادة عرابها سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد -يحفظه الله-. خلال الأعوام الخمسة الماضية، حققت الرؤية إصلاحات أساسية عديدة، أسهمت في تنفيذ مجموعة من الإنجازات في مجالات مختلفة، وأصبح الاقتصاد الوطني تبعاً لذلك والبيئة الاستثمارية المحلية مركز جذب للأعمال، سيما وأن المملكة تقع وتربط بين ثلاث قارات أساسية "آسيا-أفريقيا-أوروبا"، كما أنها بلد الحرمين الشريفين وقلب العالمين العربي والإسلامي. التقرير السنوي 2020 الصادر عن برنامج التحول الوطني، أشار إلى أن المملكة قد قفزت أربعين مرتبة في مؤشر البنية التحتية للاتصالات، وتجاوزت الخدمات العدلية المقدمة إلكترونياً نسبة 82 %، وحصلت على لقب الدولة الأكثر تقدمًا في التنافسية الرقمية من بين دول مجموعة العشرين الاقتصادية. كما وقد حققت المملكة إنجازات جعلتها تتبوأ مكانة عالمية في التقارير الدولية، حيث قد سجلت تقدماً مبهراً لعامين متتاليين في تقرير (المرأة، أنشطة الأعمال، والقانون 2021)، كما وقد سجلت التقدم الوحيد على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (منطقة المينا) وصنفت في المرتبة الثامنة من بين دول مجموعة العشرين في الكتاب السنوي للتنافسية العالمية. يُذكر أن هذه الإنجازات لم تتحقق من فراغ، وإنما قد سبقها عمل حكومي دؤوب وإجراء إصلاحات إجرائية وتشريعية تجاوزت 555 إصلاحاً نفذتها منظومة التجارة وشركاؤها في القطاعين العام والخاص عبر العديد من المبادرات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ تقليص مدة بدء العمل التجاري من 15 يوماً إلى 30 دقيقة فقط، ما أسهم في زيادة عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى أكثر من 626 ألف منشأة في عام 2020. وفي مجال الاستثمار، وبالتحديد خلال العام الأول من انطلاقة برنامج "استثمر في السعودية"، تمكنت المملكة من رفع عدد الاستثمارات الأجنبية الجديدة بنسبة 54 %، والتي تُعد أكبر زيادة في عدد الاستثمارات الأجنبية في المملكة خلال العشر سنوات الماضية، كما وقد تم إصدار 12278 رخصة استثمارية أجنبية خلال عام 2020. وفي المجال الصحي، تمكنت منظومة الصحة من تفعيل الصحة الإلكترونية في وقت جائحة فيروس كورونا المستجد، وابتكار العديد من التطبيقات الصحية، مثل تطبيق "صحة"، وتطبيق "موعد"، وتطبيق "وصفتي"، والعديد من التطبيقات الأخرى الذكية، التي قد مَكنت أعداداً كبيرة جداً من المواطنين الاستفادة من الخدمات الصحية المختلفة إلكترونياً، حيث على سبيل المثال لا الحصر، استجاب تطبيق "صحة" لأكثر من 2.1 مليون استشارة طبية خلال عام 2020 واستفاد 14.3 مليون شخص من تطبيق "موعد" بعدد مواعيد وصلت إلى 67 مليون موعد. وهناك الكثير والكثير من الإنجازات العظيمة التي تحققت، والتي قد لا يتسع المجال لذكر جميعها، وبالذات المرتبطة بتمكين المرأة ومكافحة البطالة والتعليم، والسياحة، والثقافة وغيرها من المجالات، حيث على سبيل المثال، في مجال تمكين المرأة، قد وصلت زيادة معدل المشاركة الاقتصادية للإناث السعوديات إلى 33.5 % في 2020، في حين انخفض معدل البطالة بين السعوديين من الجنسين ممن هم في عمر سوق العمل إلى 11.3 % بالربع الثالث من عام 2021 بعد ارتفاع بلغ 15.4 % بالربع الثاني من عام 2020، كما ووصل عدد العاملين السعوديين من الجنسين بالقطاع الخاص إلى مليون وتسعمائة وخمسون ألف عامل. أكاد أن أجزم أن عامة الناس في المملكة ليسوا على اطلاع كامل وإحاطة تامة بما تحقق من إنجازات تنموية عظيمة خلال سنوات الرؤية الخمس الماضية، ما تسبب في خلق، وكما ذكرت في مقالٍ سابق نشر لي بالصحيفة بعنوان "حديث الناس عن الرؤية"، تباين كبير في مفهوم الناس عن الرؤية؛ بين مشوش وبين معتقد بأنها دعوة صريحة للانفتاح الحضاري على الغرب والخروج عن المألوف بالنسبة للعادات والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية التي تعودنا العيش عليها في المملكة لعقود طويلة مضت. ومن هذا المنطلق وبهدف وضع العامة بالصورة الكاملة لما حققته لنا الرؤية من إنجازات حضارية مبهرة، لعلي أقترح أن يخصص لها يوم من كل عام يتوافق مع يوم انطلاقتها المباركة، للحديث المكثف والمفصل عن إنجازاتها من خلال وسائل الإعلام المحلية والعالمية وكافة وسائل التعليم بمراحلها المختلفة، ولعلي أقترح أيضاً تخصيص برنامج من برامج الرؤية يعنى فقط بالجانب الإعلامي والتوعوي بإنجازاتها.