في اليوم يوجد أربع وعشرون ساعة، كثير منا يقضي معظمها بين الروتين الممل والعشوائية والكثير من الدقائق والثواني من أوقات الفراغ دون فعل شيء. وخصيصًا من هم في مرحلة الشباب تجدهم لا يجدون ما يملؤون به يومهم، الفراغ هو معضلة منتشرة بين كلا الجنسين بمختلف الأعمار وهو سم قاتل للنفس البشرية وأفعى تلتف على رقبته حتى تخنقه أو تلدغه. في مرحلة الشباب يعيش الإنسان أوج حالاته، والدماغ يتكون من عدة أجزاء يجب على الفرد أن يملؤها بشيء مفيد، عن طريق الدراسة أو العمل وممارسة الهوايات مثل لعبة كرة القدم أو الرسم أو أي شكل آخر، وخلق حوارات بين أفراد الأسرة وتكوين علاقات وصداقات، حتى يملأ دماغه ويثير شغفه ولا يصبح فارغًا حتى من التفاصيل الصغيرة التي نراها غير مفيدة. تلك التفاصيل الصغيرة تشكل حياة الفرد وتصرف طاقته نحو شيء ما، لكن عندما لا يجد ذلك العقل ما يملؤه ماذا سيحدث؟ سيبحث عما يقوم به ليسد ذلك الفراغ الذي يعيشه لأن عقليته في هذه المرحلة خصبة وبإمكانها تقبل أي شيء في أي لحظة، وسيكون عرضة لاستقبال أي شيء ومن أي شخص، لذلك يجب علينا الحذر من الفراغ الزائد وألا نفرح به كثيرًا. لأن الفراغ هو العدو الخفي الذي لا نعلم عنه حيث قال الشاعر العربي: إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أي مفسدة، بكامل معناها. إن أهم سلبيات وقت الفراغ تتمثل في عدم مقدرة الفرد على الاستثمار الأمثل لوقته مما يؤدي إلى قتل الإبداع والتجديد وبالتالي عدم مقدرة الفرد على تنمية شخصيته وتطويرها، وبإمكانه أن يكون عرضة للوقوع في شباك التطرف والعنف والجريمة والأفكار الضالة. لا أعني بقولي هنا أن تبقي نفسك طوال الوقت منشغلًا وألا تتفرغ أبدًا، بل أعني ألا تكون فارغًا روحيًا وعقليًا وفارغ العقل من كل شيء يشغله. فالفراغ هو الطريق المعبد لمتلازمة الكوخ والانطوائية من خلال الشعور بانعدام القيمة في المجتمع لخلو الدماغ وفراغه من المحفزات، فيدفعك للمكوث وحيدًا والعزلة. لذلك اشغل ساعات فراغك الطويلة بالأمور المفيدة كالقراءة ومتابعة الوثائقيات أو أمور أخرى تفضلها، ولا تكن شخصًا فارغًا من كل شيء وتذكر أنك ستسأل عن عمرك فيما أفنيته وعن دقائقك فيما هدرتها.