الخيانة سمة للشخصية غير السوية في حياة الأفراد، فلها أشكال وصور تتشكل من حالٍ إلى حال وتتباين في الشر والأثر، ولكن أن يخون الفرد وليس المواطن الوطن الذي ينتمي إليه فذلك يشير إلى إشكالية حقيقية في تركيبة شخصية وعقلية الخائن، لأن الخيانة العظمى أشدها إثماً وأَبشعها هدماً وأعظمها جرماً للوطن، تناقض الولاء والانتماء والمواطنة والقيم والأخلاق الإسلامية، ولها أثر خطير على حاضر ومستقبل الأفراد والمجتمعات، وإنّ الأمم لا تسمو ولا تتقدّم إلّا حينما تسود الأمانة وتنجلي غبرة الخيانة. لذا وردت (خون) الدالة على الخيانة في القرآن الكريم (16) مرة، قال الله تعالى: (يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) (الأنفال، آية 71)، وقد أكد الدين الإسلامي على حب الوطن كجزء من العقيدة السمحة وخيانته أمر محرَّم في النص القطعي قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} (النساء 107)، ولا شك أن خيانة الوطن عاقبتها وخيمة ومن عظم جرم الخيانة للوطن والغدر به أنه ينصب للخائن لواء يوم القيامة يُعرف به. وأن عقلية الخائن المريضة دائماً تبحث عن مبررات تبرر خيانته لأنه يكون في قراراته النفسية يدرك حقيقية الجريمة التي ارتكبها ليس بحق نفسه بل بحق وطنه بالرغم من أن الخيانة للوطن لا تبرير لها مطلقاً، ولكني أطرح تساؤلاً محورياً حول إمكانية تفسير الخصائص والسمات التي تدفع الخائن للقيام بخيانة وطنه إذا كان له مكانة اجتماعية واقتصادية ومنحه الوطن الرفاهية والعيش الكريم إلا وفق تحليلات الشخصية التي تسعى للشهرة أو كونه شخصاً فاقداً للأهلية العقلية؟ إنها طبيعة الخيانة والغدر مهما أعطي أو أحسن إليه، لذلك أصبحنا نعيش زماناً نحتاج فيه أن نُعرّف المعرّف ونشرح المسلّم به، وكما يقول غازي القصيبي : ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري فالخائن غالباً لا يتمتع ببصيرة ثاقبة وقدرة على تحليل الوقائع ضمن رؤية وطنية دينية صحيحة، وإنما يسعى إلى تحقيق منافع خاصة شخصيه سريعة، أو أن يكون خضع لتأثيرات وضغوطات دفعته الى الخيانة، ومع الرفض المطلق لهذا التبرير لأنه يتنافى مع حاجات الإنسان الأساسية وهي الشعور بالأمن والأمان فالخائن لم ولن يشعر بالأمان لأن نظرة المجتمع إليه سواء في مجتمعه أو المكان الذي هرب إليه بالتأكيد سوف تكون نظرة دونية مجرد سلعة تم شراؤها وسوف يتم بيعها عندما يتم الاستغناء عنها، ولن يكون موضع تقدير أو احترام لأنه استطاع تغليب المنافع الشخصية على وطنه وأمته لذا ولد صغيراً وسيموت ذليلاً صاغراً وحيداً، لأنّ الموت ينفي وجود الشخص من المستقبل بينما الخيانة فإنها تقضي على الماضي والمستقبل كلاهما سوياً.