ظننته بادئ الأمر موعد افتتاح معرض هدى الناصر، حتى أدركت أنه هو ذاته العنوان، إنه اختيار ذكي لعمل فني تركيبي تفاعلي بأسلوب فريد، أجيال عديدة وأنا منهم كان الأربعاء لدينا هو بداية إجازة نهاية الأسبوع وكان صعبا في بداية التغيير أن نعترف بأن الخميس هو الونيس. شدني ذلك فقدمت زيارته في أجندتي الأسبوعية، وبحسب توجيهات الخرائط الرقمية إذا بي أقود سيارتي في شوارع حي السفارات الذي له ذكرياته أيضا حتى وقفت أمام عمارة سكنية فشاركت هدى صورة المكان أتأكد من صحة موقعي ترددت كثيرا في الدخول رغم تأكيدها لي، وجدت إحدى المنظمات تجلس عند المدخل تؤكد لي أيضا أني وصلت، صعدت الدرج وكأني أزور أحداً يسكن هناك فإذا بشقة مفتوحة الباب تحولت كلها إلى "بيوت حريّم" وعرفت حينها ميزة اختيار المكان كما العنوان، قفزت أمامي مشاهد طفولتي مع أخواتي نلعب ب"المساند" و"المراكي" ونصنع أسقفاً ب "الجلال" ونقسم الغرفة إلى حجرات نرص فيها ألعابنا وعرائسنا، فلم أقاوم أن أحاول صنع بعض منها من جديد، وقد استحضرت أصواتنا وضحكاتنا حين كانت أمي توبخنا على فعلتنا التي نكررها رغم كل التهديدات، بل وفي كل أربعاء لنا موعد في بيت خالي أو خالتي وعلى مستوى أعلى حيث يكتمل فريق عمل متكامل من الأولاد والبنات لمزيد من الإبداع بقطع الأثاث، وكان من توجيهات زيارة المعرض إعادة ترتيب القطع وكأننا عدنا أطفالا نعيد ترتيب ما بعثرناه، يبقى أثر الزائر لمن يليه وهكذا يستمر العمل كل أربعاء. أتاحت هدى لي ولزوار "أربعائها الجاي" عيش تجربة لذيذة، فأرضية "الموكيت" الرمادي وملامس القطع ولونها وشراشف الصلاة تحجب ضوء الغرف، قدمت من خلالها نوستالجيا يصعب وصفها دون خوض تلك التجربة، لا تقف حدودها عند هذا، بل تتجاوزها إلى رائحة التسعينات العالقة في اللاشعور حين كانت أمي وخالتي تتشاركان في "طاقات" القماش لعمل شراشف الصلاة، ولقد ميزت صورة المرأة الشرقية في ملصق المعرض الإعلاني وهي العلامة التجارية لتلك الأقمشة من سوق الجملة. رأيت ردود فعل الكثير ممن حضروا وكيف انعكست عليهم تلك الحالة الفنية عاشوا من خلالها لحظات يخفق معها القلب مع إيقاع الحنين للماضي، عمل فني يستحق الوقوف عنده والتأمل في هذه الحالة التي صنعتها الفنانة بطريقة معاصرة غير تقليدية، لم تهدف لصناعة وتشكيل الخامات أو معالجة أي من المفاهيم الفكرية، بل بحثت في داخل اللاوعي الجمعي فشكل ذلك قوة لعملها في استثارة المشاعر وانعاش الذكريات الجميلة من جديد قدمتها بقالب فني للتلاعب بالظلال وإيقاع المكان وترددات حركة الإنسان داخل العمل الفني نفسه تاركة أثرا لا يمكن نسيانه، أشير إلى أن العرض بتنسيق كل من آلاء طرابزوني وفهد بن نايف، ويمكن قراءة بيان البيان الفني المصاحب وهو بحد ذاته صياغة مختلفة ومثيرة تفسر تلك الظاهرة الإبداعية التي كانت عند جيل معين، إنها بداية موفقة لهدى أرى فيها مستقبلا تسعى من خلاله لتجاوز المألوف في بناء رؤيتها كفنانة تؤكد هويتها وانتمائها لذاتها. *أستاذ الرسم والتصوير المشارك