التشكيلي خالد الغنام، فنان شكل أسلوبه الفني تجاه العمارة النجدية والطينية بشكل جميل وأصيل، لتجد أعماله الفنية لدى المتلقين روحاً وارتباطاً أصيلاً يأخذك حيث جمال الماضي، وكأنه يقول لك قصيدة من طين الألوان وكيمياء الشموخ والعزة ولغة الماضي، لتتذكر بحنين وشوق وسعادة تفاصيل الآباء والأجداد.. ولتتجدد دهشتك وتبقى كذاكرة لونية لا تنتهي من الجمال. ترانيم الظلال الحالمة يقول الناقد خالد ربيع السيد عن تجربة الغنام التشكيلية: "يصحبنا الفنان التشكيلي خالد الغنام مع أعماله الفنية الآسرة إلى عمق التراث العمراني النجدي، والذي ما زالت بعض المناطق في مدينة الرياض وفي بلدة الدرعية، وأماكن أخرى تحتضنها بكل بهاء وتفخر بها، جيث يمتلك من الحرفية التصويرية ما يجعل من لوحاته وكأنها صور التقطت بكاميرا فوتوغرافية، فريشته تستنطق المكونات البصرية وتستحضرها من مخيلته وتضعها أمام المتلقي لتبدو واقعية شديدة الواقعية، وتجعلها شاخصة بجمالياتها الأخاذة". ويضيف: "تلفتنا موضوعات لوحاته التي تعود بالذاكرة إلى البيوت والقصور والدور القديمة، وهي موضوعات طرحها بعض الفنانين، لكن ما أضافه الغنام فيها هو الجماليات النقلية البصرية، بدءا من براعة إبراز الظلال التي تجلت ببصرية آسرة ونابضة بلغة الضوء المنبعثة من نور الشمس، إنها ديناميكية تناطح أعلى درجات التمكن الفني لدى الفنان خالد الغنام.. أغنية الضوء والظلال في بيئة حميمة طاغية الحضور البصري والتخيلي معا، في ذات الوقت لا يمكن لكل متأمل لهذه اللوحات البديعة من الوقوف على دقة توازنات الأحجام والتكوينات الرئيسة في كل لوحة، وغير ذلك لا تغيب حرفية رصد التفاصيل في العمارة السعودية التراثية العريقة... تلك الأبواب الخشبية، النوافذ والشبابيك وفتحات التهوية، وأيضا سيقان الأسقف الخشبية الناتئة من الجدران. تلك البراويز الخطوطية البيضاء في داخل تلك الدور". هي بالفعل بيئة ناطقة بالجمال تستمد قوتها من واقعيتها الرصينة التميز والاكتمال. هذه اللوحات الفائقة التعبير بلغة تبعث على التامل، تأتي من منظور عين نابهة ترصد الأبعاد الثلاث لموضوع اللوحة، فتتجلى روعتها ببعدها القريب وبعدها الأوسط وعمقها البعيد، والفنان فيها يحرص على إبراز المكان بشكل نقي وخالص، فلا نشاهد عنصرا بشريا أو تأثيرات لحظية لوجوده، ولا نرى مكونات عصرية أو ما يشير إلى آلة أو سيارة أو جرار زراعة، هذا ما يعطي كل لوحة سحرا وقوة وجاذبية ترتكز على المكونات الرئيسة لتلك البيوت والأزقة القديمة البديعة.. هي أعمال مخلصة لبوحها ونبضها بقدر كبير من الوفاء، وربما بقدر عظيم من الحنين والنوستالجيا المحرضة على إيقاظ مكامن العشق لحياة الأجداد. ولكن رغم أن اللوحات لا تضم عنصرا بشريا أو مدنيا أو ما يشير إلى عصر محدد، إلا أنها نابضة بالحياة قبل هجمة التكنولوجيا وكيف كان أسلافنا يعيشون في بيوت بنوها بأيديهم وسط مزارع فلحتها سواعدهم، حيث لا بد لمخيلة المتلقي من تصور البشر وحراكهم في تلك المراحل الزمنية السابقة. ويؤكد الناقد خالد ربيع أن احتفاء الغنام بالنخيل الأخضر الزاهي، هو احتفاء محب وولهان بعوالم القرى والأرياف. بما يوحي بارتباط سكان تلك البيوت بالزراعة والفلاحة التي تشكل مهنتهم الأولى والأهم، وفي هذه التقنية الأسلوبية إشارات لماحة لإنسان المنطقة، رغم عدم وجوده المادي، لكنه موجود بقوة في مكملات التصور التخيلي. لدرجة أنا قد نشتم رائحة بخور العودة، ونستنشق نفح عبير الهيل والقهوة وهي تغلي ليحتسيها قاطنو البيوت ويقدمونها لضيوفهم من مزارعي النخيل. ويختم حديثه قائلاً: نعم لا نبالغ إذا قلنا إننا نسمع في آذاننا الباطنة إلى دقات المهباج وترنيمات قصائد نبطية نجدية تتغنى بلهجة أهل نجد العذبة والبليغة، نعم ذلك دون مبالغة أبدا.. مع كل ذلك يمكننا أن نتبين أن ألوان اللوحات هي نقل دقيق للألوان في الواقع، فاللون الترابي بدرجاته يمثل صلب وروح الأرض والدور، ولون السماء كما هو عليه في تلك المناطق، زرقة حالمة، خفيفة، كسماء بلادنا الحبيبة". بيئة جمالية تتسم بالواقعية أما الناقدة فوزية الصاعدي فتقول: "الخطاب الجمالي للفنان خالد الغنام يُعنى بالشكل الجمالي للعمارة القديمة فلا تنفصل تجاربه الفنية عن البيئة السعودية وبيوتها الطينية البسيطة المسكونة بالهدوء والطمأنينة لنسق بنائي لبيوت متجاورة يتكئ كل منها على الآخر بمساحاتها المستطيلة وتقسيماتها الداخلية وما تحتويه من فتحات وأبواب خشبية صممت بدقة عالية لا تنفصل عن مفردات وتفاصيل زخرفية لأركان وزوايا لها مسمياتها الخاصة (الكمار، الوجار..) ذات الرفوف المنقوشة والتي لا تخلو من الأباريق والدلال كمشاهد مخزونة لدى الفنان، وخلف جدرانه الطينية المزدحمة بالقيم الملمسية والمحمولات الرمزية للزخارف الشعبية نتنفس مساحاته الخضراء المزروعة بأشجار النخيل كقيمة للعطاء والنمو والازدهار ليمنح بيوته فضاءات خارجية ولوحة فنية مفتوحة على قيم جمالية ولونية لا تنتهي، وهناك جوانب تأملية لتحولات بصرية للضوء والظل على الحوائط الطينية كرمز زمني يمهد لظهور مشهد بصري جديد وقيم تعبيرية وفلسفية لبيئة الجدار الطيني بذكرياته وأسراره ومرور لحظاته العابرة في بيئة جمالية تتسم بالواقعية.