لا شك أن مظاهر التغير الاجتماعي الواسعة التي يمر بها مجتمعنا الفتي.. وتحولاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السريعة التي يشهدها في واقعه المعاصر نتيجة التحديث والمستجدات التي طرأت على سطحه الاجتماعي أدت إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والقيم الثقافية المستوردة، وبالتالي ألقت بظلالها على النسيج الأسري ومكوناته.. وعلى كثير من الاتجاهات السلوكية والقيمية والفكرية. فقد برزت على السطح الاجتماعي بعض الأمراض الاجتماعية والأسقام الفكرية. ولعل من الظواهر السلبية التي تمخضت من رحم هذه التحولات المجتمعية وإرهاصاتها داخل البناء الأسري قضية احتفال بعض النساء بطلاقهن؛ وهو مظهر يمثل استهانة بقيمة الزواج وعدم الاحترام لهذه العلاقة الأسرية. فهل يعقل أن يقام حفل لأبغض الحلال عند الله؟ ويتم إصدار شهادة وفاة الحياة الزوجية؟ وإن كان هناك أطفال في هذه الأسرة كيف يرون والدتهم تحتفل بهدم بيوتهم تحت الشعار المستورد (عاش الطلاق)! صحيح أن الطلاق يعد شكلاً من أشكال التفكك الأسري الذي يؤدي إلى تحطم الزواج والأسرة وإنهاء الروابط الاجتماعية بين عنصريها الأساسيين الزوج والزوجة، وذلك بإنهاء العلاقة الزوجية بينهما، وغالباً ما يحصل الطلاق بسبب فشل أحد الزوجين؛ أو كلاهما في عملية التكيف مع الآخر، وبالتالي يحدث كحل أخير للمشكلات الأسرية وسوء العلاقات الزوجية المستمرة التي قد تهدد صحة الأسرة، عندئذ يكون الطلاق الحل الأمثل رغم أن ثمنه غالٍ ومؤلم يدفع الزوجان ثمنه النفسي والعاطفي والمادي غالباً بسبب انقطاع الروابط العاطفية والأسرية، ولعل من أهم الأسباب والدوافع المؤدية إلى الطلاق في مجتمعنا السعودي الذي ليس بمنأى عن المجتمعات الإنسانية الأخرى التي تشتكي من آفة الطلاق.. تتمثل في اختلاف طباع الزوجين وشخصياتهما، وتدخل الأهالي، وأيضا عدم الانسجام والتوافق بين الزوجين، وكذلك سوء العشرة، وكثرة المشكلات الزوجية إلى جانب تأثير الانفتاح الثقافي الرهيب، فضلا عن غياب الحوار داخل الأسرة؛ وهناك عوامل ومسببات أخرى لا يسعنا المجال للتطرق إليها واكتفينا بتناول بعضها. ولا مناص أن ظاهرة الطلاق في أي مجتمع تشكل خطراً يهدد استقراره وتقدمه.. ومجتمعنا السعودي ليس بمنأى عن هذه الظاهرة السلبية حيث إن تزايد نسبة الطلاق يعتبر من أهم الظواهر التي تؤثر على المجتمع في الآونة الأخيرة بسبب آثارها الضارة التي تتجاوز المرأة إلى الأطفال الذين قد يشكلون خطراً على المجتمع مستقبلاً بسبب المعاناة النفسية والاجتماعية والعاطفية التي تواجههم في مسيرة حياتهم، والطلاق قد يكون خيرا للزوجة أو الزواج، وحلا ناجعاً إذا يئس الزوج من استمرار روح الألفة والمودة والتسامح إلا أن إقامة حفلة بهذه المناسبة غير مبرر، فهو سلوك انتقامي وردة فعل عكسية للُمطلقة ينم عن اللامبالاة بقداسة أعظم وثيقة وأسمى عقد عرفته البشرية. ولا يعد من المعايير الاجتماعية الأصيلة والقيم الفضيلة وحتى لو حصل الطلاق ينبغي أن تتذكر بعض المطلقات قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) في احترام مشاعر الزوج والأسرة وحفظ الود والوفاء المتبادل حتى بعد الانفصال! وحتى لا تتسع دائرة الاحتفالات الانفصالية على طريقة «هم وانزاح» في المجتمع كونها حالات فردية لا تشكل ظاهرة اجتماعية؛ ينبغي على مؤسسات التنشئة الاجتماعية الإعلامية والدينية والثقافية والتعليمية تفعيل دورهم المجتمعي وحراكهم الوظيفي في رفع سقف الوعي الأسري وتنوير المجتمع بخطورة هذه السلوكيات الوافدة والتصرفات غير المألوفة التي تتنافى مع قواعد الضبط الديني والاجتماعي. * باحث متخصص