إشارة إلى ما تناوله الكاتب الدكتور عثمان بن صالح العامر في العدد رقم 15674 الصادر في يوم الجمعة الموافق 28 أغسطس (آب) 2015م تحت عنوان (المناهج الدراسية سبب الطلاق)..!! تحدث عبر زاويته «الحبر الأخضر» عن أزمة الطلاق التي وصفها من أخطر المشاكل الاجتماعية اليوم وأكثرها تسارعاً واتساعاً في جميع مناطق المملكة وأعظمها أثراً على المستوى الفردي والمجتمعي, محملاً في مضمون مقالته الأسرة والمدرسة كأهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية.. أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في مجتمعنا السعودي.. إلخ. وتعليقاً على هذه الظاهرة المجتمعية التي تهدد البناء الاجتماعي أقول ومن نافلة القول: إن ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع السعودي تعتبر من أهم الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تؤثر على البناء الاجتماعي ووظائفه الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتربوية، خاصة بعد أن أظهرت آخر إحصائية رسمية، حيث كشفت عن أن حالات الزواج والطلاق المسجلة في المحاكم السعودية خلال العام المنصرم (1435) بلغت 102757 حالة زواج، مقابل 30222 صك طلاق صدرته.. بمعنى أن كل 10 حالات زواج يقابلها 4 حالات طلاق، وهذه الإحصائيات ولغتها الرقمية، تؤكد مدى خطورة ظاهرة الطلاق على بنائنا الاجتماعي لارتباطها بأكثر النظم الاجتماعية تأثيراً في حياة الإفراد والمجتمع بشكل عام، ولعل الدكتور عثمان العامر تفضل مشكور في تناول عاملين من العوامل المؤدية للطلاق وهما العامل الأسري والعامل المدرسي.. مع أن العامل الاقتصادي وطبقاً للدراسات العلمية في علم الاجتماع الاقتصادي يعتبر من النظم السائدة في المجتمعات الإنسانية التي تؤثر بشكل كبير على معدلات الطلاق. فهناك علاقة طردية بين التصنيع والطلاق، حيث ترتفع نسبة الطلاق في المدن الصناعية والحضارية عنها في المناطق الريفية والزراعية, وأرجع علماء الاجتماع الاقتصادي ذلك السبب إلى عدم تمتع الأسرة بالاستقرار العاطفي والنفسي والاجتماعي لوجود عدد من المؤسسات الاجتماعية التي تقدم خدمات منزلية للرجل والمرأة تساعدهما على الاستقلال, هذا بالإضافة إلى عاملي الفقر والبطالة وانعكاسهما على ارتفاع معدلات الطلاق,كما تلعب العوامل النفسية وإرهاصاتها دوراً محورياً في تنشيط خلايا هذا الوباء الاجتماعي وتأكل مفاصل النسيج الأسري وخلخلت توازنه العاطفي والنفسي، خاصة مع شيوع الأمراض النفسية والاضطرابات الشخصية التي كثيراً ما تهدد الكيان المنزلي بالتصدع والانهيار.. وبالذات مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تتمخض عنها هذه الأمراض النفسية الخطيرة,مثل الغيرة الشديدة والشك الزائد وعدم الانسجام الروحي والعاطفي وحب السيطرة والتوتر والقلق والاضطرابات الانفعالية والوجدانية داخل الحياة الزوجية. فكما هو معروف أن الحياة الأسرية ومتطلباتها المعيشية بالنسبة للزوج غير القادر مادياً.. يوّلد لديه صراعات نفسية ومشكلات عجز داخلية تنعكس على الحياة الزوجية وتهديد استقرارها. كما ساهمت العوامل الثقافية وتطورها التكنولوجي في اتساع دائرة المشكلات الأسرية وإحداث الاضطرابات النفسية والعاطفية, وتنشيط خلايا العنف المنزلي ومظاهره.. والتي كثيراً ما تنتهي برمي ورقة الطلاق وانفجار بالون الحياة الزوجية..!! خاصة مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعية «تويتر والفيسبوك والاستقرام,» ومواقع الدردشة المختلفة التي أوجدت بيئة ملائمة لانتشار فيروسات الخيانة الزوجية والمشكلات الأسرية, وبالتالي ازدياد حالات التفكك المنزلي.. وارتفاع أسهم العنف الأسري في صالة الصراعات النفسية والعاطفية والانفعالية.. والانتهاء -أخيراً- بالطلاق وما يصاحبه من انحراف الإحداث وظهور الجرائم الأخلاقية والفكرية والسلوكية وانتشار بعض الإمراض النفسية.. كنتيجة حتمية لهذه الظاهرة الاجتماعية والإنسانية المعقدة. وتشير بعض الدراسات في علم النفس الاجتماعي أن الطلاق كظاهرة اجتماعية إنسانية خطيرة تتمخض عنها مشكلات نفسية وعاطفية واجتماعية واقتصادية وأمنية..وأكثر من يلحق به الضرر من جراء الطلاق هم الأولاد (ذكوراً أو إناثاً) والسبب.. لأنهم سيعيشون في بيئة اجتماعية غير صحية من جميع النواحي النفسية والعاطفية والاجتماعية ولذلك تكمن خطورة هذا الوباء الاجتماعي مع ارتفاع نسبته وأرقامه بصورة مزعجه أنه يؤثر على الفرد والأسرة والمجتمع بشكل عام, وطبقاً لدراسة أجريت تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية فإن 60 % من حالات الطلاق تقع في السنة الأولى من الزواج بسبب ضعف الثقافة الزوجية وعدم قدرة الزوج تحمل المسؤولية في الحياة الزوجية؟! وأن 80 % من الأطفال الذين يقبعون في دور الملاحظة الاجتماعية بسبب ارتكابهم سلوكيات انحرافية وأعمال جنائية.. هم ضحايا أسرة منفصلة..!!. وللحد من انتشار ظاهرة الطلاق في نسيجنا المجتمعي ينبغي صياغة استراتيجية وطنية ورسم سياسة اجتماعية مشتركة من الجهات المعنية تساهم بمنطلقاتها المهنية ومكوناتها الوقائية واتجاهاتها العلاجية في رفع سقف الوعي الأسري وتنمية اتجاهاته الإخلاقية والحضارية، وتكريس مفهوم الحوار الأسري وأدبياته داخل النسق المنزلي بين الزوجين. وإشاعة ثقافته الواعية وانعكاسها الإيجابي على تحقيق الاستقرار العاطفي والنفسي والاجتماعي في الحياة الزوجية.. والحوار أساس الاستقرار. بالإضافة إلى ضرورة توقيع اتفاقية تعاون مع الدول التي نجحت في مكافحة هذه الآفة المرضية.. مثل ماليزيا وغيرها من الدول الرائدة في هذا المجال العلاجي والوقائي.. للاستفادة من أساليب تجاربها المثمرة في معالجة ظاهرة الطلاق وضبط توازنه. وأخيراً تخصيص كرسي بحث علمي تتبناه الجهات المعنية.. يتناول دراسة هذه الظاهرة النفسية الاجتماعية المعقدة.. دراسة علمية رصينة والعوامل المؤدية إلى ارتفاع معدلاتها في المجتمع.. وبالحلول العلمية يمكن اختصار مسافة وزمن العلاج الناجع لأي مشكلة من المشكلات الاجتماعية وارهاصاتها. خالد الدوس - باحث ومتخصص في القضايا الاجتماعية